يَمِينٍ وَاحِدَةٍ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ.
وَلَا يُحَلِّفُهُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ». وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلَا يُدْخِلْهُ الْمَسْجِدَ وَحَيْثُمَا يُحَلِّفُهُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ سَوَاءٌ حَلَّفَهُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ اسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، أَوْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ يَسْتَحْلِفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ وَبِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْبَرِ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْجَوَامِعِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَسْتَحْلِفُونَ عِنْدَ الْبَيْتِ قَالَ أَعَلَى دَمٍ أَمْ أَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ لَقَدْ خِفْت أَنْ يَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِهَذَا الْبَيْتِ، وَهَذَا نَوْعُ مُبَالَغَةٍ لِلِاحْتِيَاطِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْيَمِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا لَا يُمْتَنَعُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النُّصُوصِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ تَعْدِلُ النَّسْخَ عِنْدَنَا، وَقَدْ ظَهَرَ عَمَلُ النَّاسِ بِخِلَافِهِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَفِيهِ أَيْضًا بَعْضُ الْحَرَجِ عَلَى الْقَاضِي
فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي فَحُجَّتُهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ إقْرَارُ الْخَصْمِ أَوْ نُكُولُهُ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ يَقُولُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ الْقَاضِي أَيْ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُخَاصِمَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَا أَنْ يُسْقِطَ حَقَّ الطَّالِبِ عَنْهُ بِقَضَائِهِ، ثُمَّ إنْ أَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَانَ لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ يَمِينِ الْخَصْمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَنْظُرَ إلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ بَعْدَهُ. فَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ الصِّدْقُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ فِيهِ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ جَوَّزَ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ يُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَلَسْنَا نَقُولُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ مَعْنَى الصِّدْقِ فِي إنْكَارِهِ، وَلَكِنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُخَاصِمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ. فَإِذَا وَجَدَ الْحُجَّةَ كَانَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ حَقَّهُ بِهَا وَلَا يَحْلِفُ الشَّاهِدُ إلَّا بِأَمْرِنَا لِإِكْرَامِ الشُّهُودِ، وَلَيْسَ مِنْ إكْرَامِهِ اسْتِحْلَافُهُ، ثُمَّ الِاسْتِحْلَافُ يَنْبَنِي عَلَى الْخُصُومَةِ وَلَا خَصْمَ لِلشَّاهِدِ وَكَمَا يُسْتَحْلَفُ الْمُسْلِمُ فِي الْخُصُومَاتِ تُسْتَحْلَفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النُّكُولُ وَهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَيَعْتَقِدُونَ حُرْمَةَ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ.
(قَالَ) وَيَحْلِفُ النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَنْجِيلَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْيَهُودُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute