للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالْعَبْدُ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ دُعِيَ إلَى ذَلِكَ بَلْ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى.

وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَمُطْلَقُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ كَالْمَمْلُوكِ لِوَالِدِهِ، وَإِنَّ مَالَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ

وَيَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِوَالِدِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَوَالِدَتِهِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُرْمَةِ خَاصَّةً، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ وَاسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ حَالَةَ الْيَسَارِ وَالْعُسْرَةِ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْوِلَادِ فَالْإِخْوَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْيَسَارِ بِخِلَافِ الْوِلَادَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا اسْتِحْقَاقُ حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْعُسْرَةِ

وَيَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَاهَرَةَ الَّتِي بَيْنَهُمَا تَأْثِيرُهَا فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ فَقَطْ. فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لِلْمُصَاهَرَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّضَاعِ أَوْ دُونَهُ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَإِنْ تَابَ إنَّمَا تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُهُ وَبِذَلِكَ يَأْخُذُ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّمَا يُؤْتِيهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. فَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] وَالِاسْتِثْنَاءُ مَتَى يَعْقُبُ كَلِمَاتٍ مَنْسُوقَةً بَعْضَهَا عَلَى الْبَعْضِ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حُجَّةٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ، ثُمَّ قَامَ الدَّلِيلُ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَلْدِ فَيَبْقَى مَا سِوَاهُ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّ عِنْدَنَا الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَلْدِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْجَلْدَ حَقُّ الْمَقْذُوفِ فَتَوْبَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَعْفِيَهُ فَلَا جُرْمَ إذَا اسْتَعْفَاهُ فَعُفِيَ عَنْهُ سَقَطَ الْجَلْدُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فِسْقُهُ، وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْقَذْفِ، أَوْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، أَوْ سِمَةُ الْفِسْقِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ نَفْسُ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَبِاعْتِبَارِ الصِّدْقِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا رَدَّ الشَّهَادَةِ وَلَا تُرَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>