للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْعَصْرِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ الْوَقْتُ قَابِلٌ لِلظُّهْرِ، وَالْمَعْنَى الْمُسْقِطُ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ ضِيقُ الْوَقْتِ، وَقَدْ انْعَدَمَ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ اتَّسَعَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِضُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ الْعَارِي إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ وَمَا ذَكَرَهُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَوْ قَطَعَ صَلَاتَهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الْعَصْرِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا.

وَلَوْ أَتَمَّهَا كَانَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا، وَكَمَا سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ جَمِيعِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا يَسْقُطُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ بَعْضِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ بِالِابْتِدَاءِ كَانَ مَأْمُورًا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا.

وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لَهُ مِنْ إتْمَامِ الْعَصْرِ لَكَانَ تَيَقُّنُهُ بِهِ عِنْدَ الشُّرُوعِ مَانِعًا لَهُ مِنْ افْتِتَاحِ الْعَصْرِ، وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ إنَّهُ لَا يُفْتَتَحُ الْعَصْرُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَمَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي صَلَاةٍ لَا يَعُودُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ حَالَةِ النِّسْيَانِ فَهُنَاكَ التَّرْتِيبُ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بَقِيَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا كَانَ.

(قَالَ): فَإِنْ كَانَ افْتَتَحَ الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ وَاسِعٌ، وَقَدْ صَارَتْ الْعَصْرُ فَائِتَةً كَالظُّهْرِ فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلظُّهْرِ حِينَ افْتَتَحَ الْعَصْرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمَّا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً ذَكَرَ أَنَّ الظُّهْرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ عَصْرُهُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَمْنَعُهُ مِنْ افْتِتَاحِ الْعَصْرِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِهَا أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ يُعْذَرُ لِلنِّسْيَانِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.

وَإِنْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ فَلَمَّا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الظُّهْرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ قَدْ صَحَّ فِي الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ نَاسِيًا لِلظُّهْرِ، وَإِنَّمَا تَذَكَّرَ بَعْدَمَا احْمَرَّتْ الشَّمْسُ، وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ سَاقِطٌ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ تَذَكُّرُهُ وُجُودًا وَعَدَمًا بِمَنْزِلَةٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ صَلَاتَهُ حِينَ تَذَكَّرَ لَكَانَ يَسْتَقْبِلُ الْعَصْرَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَقْطَعَ عَصْرًا صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>