بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ حِينَ افْتَتَحَهَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ فَهُوَ إنَّمَا يَقْطَعُ التَّطَوُّعَ لِيَشْتَغِلَ بِأَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا، وَذَلِكَ مُفِيدٌ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَيَقَعُ الْعَصْرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ عِنْدَهُ مَا بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْعَصْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَبَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَغَيُّرُ الضَّوْءِ أَمْ تَغَيُّرُ الْقُرْصِ، وَيُحْكَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتًا لِلْعَصْرِ وَلَكِنَّ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ، وَعَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعْنَى الْكَرَاهَةِ يُسْقِطُ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ كَمَا أَنَّ مَعْنَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِ يُسْقِطُ ذَلِكَ بَيَانُهُ فِي مُصَلِّيَ الْجُمُعَةِ إذَا تَذَكَّرَ الْفَجْرَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَجْرِ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجُمُعَةِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ مَكْرُوهٌ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ خَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ فِي سُقُوطِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فَهَذَا مِثْلُهُ (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ هَهُنَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجُمُعَةَ أَقْوَى مِنْ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا أَدْعَى لِلشَّرَائِطِ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ كَانَ فَرْضُهُ الْجُمُعَةَ فَالْأَضْعَفُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْأَقْوَى وَخَوْفُ فَوَاتِ الْأَقْوَى يَمْنَعُهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْأَدْنَى، وَهَهُنَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ يَسْتَوِيَانِ فِي الْقُوَّةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِخَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ.
(رَجُلٌ) تَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ، وَصَلَّى ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ طَهُورٌ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ قِيلَ: الْوَقْتُ بَاقٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَوُجُودِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قُلْنَا: وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ الْوَقْتِ، وَمَا وُجِدَ الْمَاءُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute