للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مُعَايَنَةُ السَّبَبِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى رَجُلٍ مَشْهُودٍ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَعَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ لِحُصُولِ نَوْعِ عِلْمٍ لَهُ بِالِاشْتِهَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى إنْسَانًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَقْضِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ قَاضِيًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ بِذَلِكَ الْإِشْهَادِ وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ لَا بِالتَّكَلُّمِ وَالْمُخَالَطَةِ. فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ لَهُ بِالْإِشْهَادِ حَلَّ لَهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ.

وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَأَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ حَتَّى يَلْتَقُوا إلَى أَبِ وَاحِدٍ وَهُوَ عَصَبَتُهُ وَأَقَارِبُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ قَضَيْت لَهُ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ سَبَبَ الْوِرَاثَةِ مُفَسَّرًا بِالْحُجَّةِ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَإِنَّ هَذَا أَبُوهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ جَعَلْت الْمِيرَاثَ لِهَذَا وَأَبْطَلْت الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الثَّابِتَةَ طَاعِنَةٌ فِي الْبَيِّنَةِ الْأُولَى دَافِعَةٌ لَهَا فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا عَنْ الْمِيرَاثِ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ؛ فَلِهَذَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ.

وَإِنْ أَقَامَ الثَّانِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ وَنَسَبَهُ إلَى أب آخَرَ وَقَبِيلَةٍ أُخْرَى، وَأَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ عَمُّهُ إلَى أب وَاحِدٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ أُحَوِّلْ النَّسَبَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ فَخِذٍ وَمِنْ أب إلَى أَنْ يَجِيءَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ الَّذِي جَعَلْت لَهُ الْمِيرَاثَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِطَاعِنَةٍ فِي الْأُولَى، وَلَكِنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِلْأُولَى، وَعِنْدَ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى تُرَجَّحُ الْأُولَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُتَعَذَّرٌ وَالْقَضَاءُ النَّافِذُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِدَلِيلٍ مُشْتَبَهٍ وَهُوَ كَمَنْ ادَّعَى دَابَّةً فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا لَهُ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَهُ، ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ طَاعِنَةٌ فِي الْبَيِّنَةِ الْأُولَى دَافِعَةٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ بِتَارِيخٍ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِهِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ أَيْضًا لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا طَاعِنَةٌ فِي الْبَيِّنَةِ الْأُولَى

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ هَذَا أَعْتَقَ فُلَانًا، وَأَنَّهُ مَوْلَاهُ وَعَصَبَتُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْمُعْتَقَ وَسَمِعَ الْعِتْقَ مِنْهُ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكَاهُ وَلَمْ يَسْمَعَا الْعِتْقَ مِنْهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ إذَا شَهِدُوا عَلَى وَلَاءٍ مَشْهُورٍ فَهُوَ كَشَهَادَتِهِمْ بِالنَّسَبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِطَرِيقِ التَّسَامُعِ وَالشُّهْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>