جَائِزَةٌ. فَكَذَلِكَ عَلَى الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (أَلَا تَرَى) أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ قَنْبَرًا مَوْلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِنْ لَمْ نُدْرِكْ ذَلِكَ.
ثُمَّ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ قَرْنٍ كَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالتَّسَامُعِ تَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَلَاءِ وَالشَّرْعُ جَعَلَ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الِانْتِمَاءِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالْقَوْلِ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالتَّسَامُعِ كَالْبَيْعِ وَبَيَانُهُ فِيمَا قَرَّرْنَا أَنَّ الْعِتْقَ كَلَامٌ يَسْمَعُهُ النَّاسُ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ كَالْوِلَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ التَّسَامُعِ فِيهِ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، ثُمَّ لَا يَقْتَرِنُ لِسَبَبِ الْوَلَاءِ مَا يُشْتَهَرُ بِهِ فَالْإِنْسَانُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ غَيْرَهُ فَكَانَ هَذَا دُونَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي وَالْعِتْقُ نَافِذٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُعْتِقُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِأَسْبَابِهَا مَا يُشْتَهَرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ أَبَا فُلَانٍ، وَأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ عَصَبَةَ فُلَانٍ الَّذِي أَعْتَقَ وَعَصَبَةَ فُلَانٍ الْمُعْتَقِ فَإِنِّي لَا أُجِيزَ شَهَادَتَهُمَا حَتَّى يَنْسُبَا الَّذِي أَعْتَقَ وَعَصَبَتُهُ إلَى أب وَاحِدٍ يَلْتَقِيَانِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكَا ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُمَا بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى سَمَاعِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ أَنَّ الْمُعْتَقَ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَهُ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ وَلَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لَهُ وَلَا وَلَاءَ سِوَاهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِالْمِيرَاثِ مَا لَمْ يُفَسِّرُوا بِنَسَبِ الْوِرَاثَةِ، وَإِنَّمَا يَسِيرُ مُفَسَّرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُ بِمَا ذُكِرَ غَيْرَ أَنَّ فِي النَّسَبُ شَهَادَتُهُمْ بِالتَّسَامُعِ مَقْبُولَةٌ، وَفِي الْوَلَاءِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَا لَمْ يَسْمَعُوا الْعِتْقَ مِنْ الْمُعْتَقِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا بَيَّنَّا قَالَ وَلَسْت أُكَلِّفُهُمْ فِي الْمَوَارِيثِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَمْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمِيرَاثِ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي إلَّا بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُزَاحِمُ أَوْ يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ وَارِثًا مَعَ ثُبُوتِ مَا فَسَّرَ الشُّهُودُ مِنْ السَّبَبِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَوْلُهُمْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ نَفْيٌ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَلَوْ كَلَّفَهُمْ الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ لَكَلَّفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ شَطَطًا وَحَمَلَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ (فَقَالَ) مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا عَيْبٌ يَحْمِلُهُمْ الْقَاضِي عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ عَنَتٌ يَحْمِلُهُمْ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَهَذَا يَكْفِي وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute