شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ لَا بِمَا لَا يَعْلَمُونَ وَكَمَا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ لَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الشُّهُودُ مُفَسَّرًا إلَّا أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ كَانَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَلَوَّمَ فَرُبَّمَا يَظْهَرُ وَارِثٌ آخَرُ مُزَاحِمٌ لَهُ أَوْ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ كَفَوْا الْقَاضِيَ مُؤْنَةَ التَّلَوُّمِ.
وَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ فَتَحَرَّزُوا عَنْ الْكَذِبِ وَالْمُجَازَفَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ كَانُوا مُجَازِفِينَ فِي ذَلِكَ فَتَحَرَّزُوا بِقَوْلِهِمْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ مُرَادُهُمْ هُوَ الْأَوَّلُ فَمَا يَكُونُ مِنْ سِبَابِ التَّحَرُّزِ عَنْ الْكَذِبِ لَا يَكُونُ قَدْحًا فِي شَهَادَتِهِمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا غَيْرُ فُلَانٍ جَازَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى يَقُولُوا مُبْهَمَةً لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ فِي تَخْصِيصِهِمْ مَكَانًا إيهَامًا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَرَأَيْت لَوْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ أَكَانَ يَقْتَضِي بِالْمِيرَاثِ لَهُمْ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هَذَا اللَّفْظُ مُبْهَمٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بَلَدَهُ كَذَا وَمَوْلِدَهُ كَذَا وَمَسْقَطَ رَأْسِهِ كَذَا وَلَا نَعْلَمُ لَهُ بِهَا وَارِثًا غَيْرَهُ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثًا آخَرَ فِي مَكَان آخَرَ، ثُمَّ تَخْصِيصُهُمْ هَذَا الْمَكَانَ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا اللَّفْظِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَعْلَمُ الْمَرْءَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان فَهُوَ، وَمَا لَوْ أَطْلَقُوا سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُمَا أَنَّ هَذَا إيهَامُ فُلَانٍ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَفْهُومٌ وَالْمَفْهُومُ لَا يُقَابِلُ الْمَنْطُوقَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ لَمَّا مَاتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ قَبِيلَتِهِ هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا قَالُوا لَا إلَّا أَنَّ ابْنَ أُخْتٍ لَهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهُ لِأَبْنِ أُخْتِهِ ابْنِ لُبَانَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لَهُ فِيهِمْ وَارِثًا وَنَسَبًا وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَاءَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ جَعَلْت الْوَلَاءَ بَيْنَهُمَا وَالْمِيرَاثَ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوَلَاءُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ بِالنَّسَبِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نَسَبِهِ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ، أَوْ يُجْعَلَ الْوَلَاءُ كَالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ. وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ يُقْضَى بِالْمِلْكِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قَبْلَ صَاحِبِهِ وَقَضَيْت لَهُ، ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ وَلَمْ يُشَارِكْ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ وَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ، ثُمَّ فِي النَّسَبِ إذَا تَرَجَّحَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى بِالْقَضَاءِ لَمْ تُقْبَلْ الثَّانِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute