الطَّلَاقِ هُمْ الَّذِينَ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ وَهُمْ شُهُودُ الدُّخُولِ وَلَوْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ شُهُودِ الطَّلَاقِ وَامْرَأَةٌ مِنْ شُهُودِ الدُّخُولِ فَعَلَى الرَّاجِعَةِ مِنْ شُهُودِ الدُّخُولِ ثُمُنُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ شُهُودُ الدُّخُولِ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَبَقِيَ الْحُجَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِتَفَاوُتِهِمَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعَةِ رُبْعُ ذَلِكَ النِّصْفِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شَاهِدِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ بَعْدَ رُجُوعِهَا
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ وَبِنِصْفِ الْمَهْرِ لَهَا ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَضَمَانُ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الثُّلُثِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الثُّلُثِ هُمْ الَّذِينَ قَطَعَتْ بِشَهَادَتِهِمْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الزَّوْجِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ بِالثُّلُثِ يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ صِفَةُ الْحُرْمَةِ وَشَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَإِنَّمَا قَضَى الْقَاضِي بِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ مَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُ الثُّلُثِ خَاصَّةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ كَانَ بِشَهَادَتِهِمْ فَالضَّمَانُ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَظِيرُ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَأَبَانَهَا الْقَاضِي مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَأَلْزَمَهُ نِصْفَ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ دُونَ شُهُودِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى بِالْفُرْقَةِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الطَّلَاقِ دُونَ شَهَادَةِ شُهُودِ الْإِيلَاءِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الثَّلَاثَ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِتَطْلِيقِهِ وَالْآخَرُ بِثَلَاثٍ
وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَقَضَى بِذَلِكَ وَنَقَدَهَا الْأَلْفَ ثُمَّ رَجَعَا؛ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا أَيُّهُمَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ فَقَدْ أَلْزَمَا الزَّوْجَ الْأَلْفَ وَأَدْخَلَا فِي مِلْكِهِ الْبُضْعَ بِمُقَابَلَتِهِ وَالْبُضْعُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ الْبُضْعَ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّمَلُّكِ يَقُومُ الْمَمْلُوكُ بِهِ كَالِاسْتِيلَاءِ لَمَّا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِهِ الْحَرْبِيُّ يَتَقَوَّمُ بِهِ نَفْسُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي فَقَدْ أَثْبَتْنَا عَلَيْهِ الْمِلْكَ وَعَوَّضَاهَا بِمُقَابَلَتِهِ مَا يَعْدِلُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَ الزَّوْجُ مُنْكِرًا ضَمِنَا لَهُ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ الْأَلْفَ وَعَوَّضَاهُ مَا يَتَقَوَّمُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقِيمَةُ الْبُضْعِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى أَتْلَفَاهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا الْبُضْعَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَلَكِنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتْلِفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute