نَقُولَ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ جَمِيعَ الصَّدَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ وَلَا كَانَ مُتَهَيِّئًا لِلنِّكَاحِ لِلْفِقْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَهُمَا بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ مَنَعَا الْعِلَّةَ الْمُسْقِطَةَ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا فِي النِّصْفِ فَكَأَنَّهُمَا أَلْزَمَا الزَّوْجَ ذَلِكَ النِّصْفَ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَفِي هَذَا أَيْضًا نَوْعُ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الِابْنَ إذَا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ حَتَّى زَنَى بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَغْرَمُ الْأَبُ نِصْفَ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا تَصِيرُ بِهِ الْفُرْقَةُ مُضَافَةً إلَى الْأَبِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهَا مَنَعَ صَيْرُورَةَ الْفُرْقَةِ مُضَافَةً إلَيْهَا وَذَا مُوجِبٌ نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ شُهُودُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْوَلِيِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ أَتْلَفُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَمَا تُضْمَنُ النَّفْسُ بِالْإِتْلَافِ حَالَةَ الْخَطَإِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْقِصَاصِ كَمِلْكِ الْبُضْعِ لِلزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا الْمُتَقَوِّمُ الْمَحَلُّ الْمَمْلُوكُ فَكَذَلِكَ مِلْكُ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّ بِالصُّلْحِ الْقَاتِلُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا الصُّلْحِ لِإِبْقَاءِ نَفْسِهِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةُ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِهَذَا وَالْمَرِيضَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ فَإِنَّمَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهَا فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ يُسَلَّمُ لِلْقَاتِلِ الْمَحَلُّ الْمَمْلُوكُ وَهُوَ نَفْسُهُ وَذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ وَهُنَا بِالطَّلَاقِ بَطَلَ مِلْكُ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهَا شَيْءٌ كَانَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَحَلِّ فَأَمَّا تَقَوُّمُ النَّفْسِ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلِلصِّيَانَةِ عَنْ الْهَدَرِ وَإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَحَلِّ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي مِلْكِ الْقِصَاصِ فَالْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ إهْدَارُهُ حَسَنًا بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَيَاةٌ حُكْمًا وَفِي الْعَفْوِ حَيَاةٌ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتْلِفِ هُنَا بِمَعْنَى الصِّيَانَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ الزَّوْجُ لَهَا مَهْرًا فَشَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَضَى الْقَاضِي لَهَا بِالْمُتْعَةِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا الْمُتْعَةَ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ يَغْرَمَانِ لِلزَّوْجِ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَغْرَمَانِ لَهُ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ الْمُتْعَةُ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي الْفَصْلَيْنِ لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute