للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَقَرَّ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ لِلْمَوْلَى وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِيرَاثًا عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ لَا أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْهُمَا حِصَّةَ الِابْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُمَا كَانَا صَادِقَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِنَسَبِهِ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَزَعْمُهُ مُعْتَبَرٌ فِي نَصِيبِهِ وَيَضْمَنُ شُهُودُ الْأَمَةِ قِيمَةَ الْأَمَةِ إلَّا مِيرَاثَ الْأَمَةِ مِنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَضْمَنُونَ غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَيَضْمَنُونَ الْفَضْلَ لِإِقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ ذَلِكَ الْفَضْلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَكِنْ يَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتَهَا مِنْهُ بِمِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهَا تُكَذِّبُهُمْ فِي الرُّجُوعِ وَتُصَدِّقُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ فَيُعْتَبَرُ زَعْمُهَا فِي حِصَّتِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهُودِ فِيمَا أَخَذَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ

وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى لَهُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا الثُّلُثَ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ بِشَهَادَتِهِمَا فَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَخْتَصِمُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَفِي هَذَا نَوْعُ إشْكَالٍ فَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالنَّسَبِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا بَعْدَ الْمَوْتِ

وَإِذَا شَهِدُوا بِالْوَصِيَّةِ ضَمِنُوا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِالْعَقْدِ لَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ ثَابِتٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ مِنْ الْمِلْكِ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُورِثِ وَهَذِهِ الْخِلَافَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَوْتِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنَّسَبِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا تَتَحَقَّقُ مِثْلُ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِمَا إذَا رَجَعَا وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِهَذَا الْمُدَّعِي وَهِيَ تُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَقَضَى لَهُ بِهَا فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَتَهَا يَوْمَ قُضِيَ بِهَا وَلَمْ يَضْمَنَا الْعُقْرَ وَلَا قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مِلْكَ الرَّقَبَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَهَادَتِهِمَا لِمِلْكِ الْمُوصَى لَهُ فَيَضْمَنَانِ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَا بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وُلِدَتْ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا اسْتَحَقُّوا الْوَلَدَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَالْقَوْلُ فِي قِيمَتِهَا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قِيمَتِهَا لِإِنْكَارِهِمْ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً فَقَالَ الشَّاهِدَانِ قَدْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَا قِيمَتَهَا الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَا؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>