فَأَمْضَى الْقَاضِي ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الْعِتْقِ ضَمِنُوا الْقِيمَةَ لِإِقْرَارِهِمْ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا مَالِيَّةَ الْمَوْلَى فِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَفِي حَقِّ الْعِتْقِ هُمْ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ وَرُجُوعُ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا وَلَوْ رَجَعَ اثْنَانِ عَنْ الزِّنَا وَاثْنَانِ آخَرَانِ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الْعِتْقِ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ وَعَلَى اللَّذَيْنِ رَجَعَا عَنْ الزِّنَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حُكْمِ الرَّجْمِ نِصْفُ الْحُجَّةِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِينَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحَدُّ الْقَذْفِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَأَمَرَ بِرَجْمِهِ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَقَدْ جَرَحَتْهُ الْحِجَارَةُ وَهُوَ حَيٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَدْرَأُ عَنْهُ الرَّجْمَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَجَعُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا فِي رَجْمِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ إلَّا بِحُجَّةٍ قَائِمَةٍ وَلَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ وَهُمْ ضَامِنُونَ أَرْشَ جِرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اُسْتُحِقَّ بِشَهَادَتِهِمْ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ مِنْ دَمٍ عَمْدًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا أَيُّهُمَا كَانَ الْمُنْكِرُ لِلصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ لِلصُّلْحِ هُوَ الْمَوْلَى فَقَدْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِعِوَضٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا فَهَذَا أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْقَاتِلُ فَقَدْ سَلِمَ لَهُ بِنَفْسِهِ وَمَا أَلْزَمَاهُ مِنْ الْعِوَضِ دُونَ بَدَلِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَقَوُّمَ النَّفْسِ فِي حَقِّهِ، وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَهُ اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا لِذَلِكَ
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا وَالْقَاتِلُ يَجْحَدُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا الْفَضْلَ عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ مَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إنْ شَهِدُوا عَلَى الصُّلْحِ عَلَى مِقْدَارِ الْأَرْشِ أَوْ دُونَهُ لَمْ يَضْمَنَا عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا وَإِنْ شَهِدَا عَلَى الصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ ضَمِنَا الْفَضْلَ لِلْجَارِحِ إذَا كَانَ جَاحِدًا لِذَلِكَ
وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ صَالَحْتُكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ فَإِنْ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُهُ ضَمِنُوا الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ فَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِشَهَادَتِهِمْ
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمٍ خَطَأً أَوْ جِرَاحَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فِيهَا أَرْشٌ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَ الدِّيَةَ وَأَرْشَ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمَالَ بِشَهَادَتِهِمَا فَالْخَطَأُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَكِنْ بِالصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً وَقَدْ كَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute