خِلَافُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي أَمْسِ أُمِرَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ أَخَذَهُ مِنْهُ هَذَا أَوْ انْتَزَعَهُ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ غَلَبَهُ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ فَاعْتَرَضَهُ هَذَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ أَبَقَ مِنِّي هَذَا فَأَخَذَهُ هَذَا الرَّجُلُ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَيَقْضِي بِالْعَبْدِ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا سَبَبَ زَوَالِ يَدِهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمُعَايَنِ لِلْقَاضِي وَأَثْبَتُوا أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ كَانَ بِأَخْذِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ظَاهِرٍ لَهُ فِي الْمَأْخُوذِ عُدْوَانًا وَالْفِعْلُ الَّذِي هُوَ عُدْوَانٌ وَاجِبُ الْفَسْخِ شَرْعًا وَذَلِكَ بِالرَّدِّ
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ وَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ أَوْ أَعَارَنِيهِ أَوْ وَكَّلَنِي بِحِفْظِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْرُجُ مِنْ خُصُومَتِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا يَخْرُجُ مِنْ خُصُومَتِهِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ أَمَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ كَلَامَ ذِي الْيَدِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَالْإِقْرَارُ يُوجِبُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {بَلْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: ١٤] وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُثْبِتُ مَا أَقَرَّ بِهِ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَائِبٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِحَاضِرٍ فَرَجَعَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ مَرِضَ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَ إقْرَارُهُ إقْرَارَ صِحَّةٍ وَأَمَّا ابْنُ شُبْرُمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ إنَّهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ فِي إدْخَالِ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ثُمَّ خُرُوجُهُ عَنْ الْخُصُومَةِ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمُحَابَاةِ إذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ فَيُبْطِلَانِ الْبَيْعَ بِطَلَبِ الْوَصِيَّةِ وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمِلْكُ لِلْغَائِبِ وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ وَالثَّانِي دَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي عَنْهُ وَهُوَ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ فَكَانَتْ مَقْبُولَةً فِيمَا وُجِدَتْ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ كَمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِنَقْلِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ فِي قِصَرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهَا وَلَا تُقْبَلُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ ذِي الْيَدِ لَيْسَ هُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ إنَّمَا مَقْصُودُهُ إثْبَاتُهُ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ وَلَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ
وَفِي هَذَا الْمُدَّعِي خَصْمٌ لَهُ فَيُجْعَلُ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ خَصْمِهِ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى غَصْبًا عَلَى ذِي الْيَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute