مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ أَوْ لَمْ يُوَقِّتُوا وَقْتًا أَوْ وَقَّتُوا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ أَمَّا إذَا وَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ أَقَلَّ مِمَّا وَقَّتَ شُهُودُ الْخَارِجِ أَوْ لَمْ يُوَقِّتُوا فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ ذُو الْيَدِ وَإِنْ وَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ مِثْلَ مَا وَقَّتَ شُهُودُ الْخَارِجِ فَقَدْ اسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَذِكْرُ التَّارِيخِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا هُنَا فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَاهُ وَإِنْ وَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ سَنَتَيْنِ فَهُوَ لِذِي الْيَدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ هُوَ لِلْمُدَّعِي وَهَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُهُ لِلتَّارِيخِ وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لِلتَّارِيخِ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ صَاحِبُ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَوْلَى خَارِجًا كَانَ أَوْ صَاحِبَ يَدٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ يَدَ ذِي الْيَدِ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنْ لَا تَدُلُّ عَلَى سَبْقِ التَّارِيخِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى التَّارِيخِ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى النِّتَاجِ وَإِذَا وَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ وَتَارِيخُهُ أَسْبَقُ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الرِّقَّةِ قَالَ لَا أَقْبَلُ مِنْ ذِي الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى تَارِيخٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا النِّتَاجَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ التَّارِيخَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ النِّتَاجِ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا يَعْلَ مُوِّنَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ مِثْلُ شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ فَإِنَّهُمْ شَهِدُوا بِيَدٍ مَجْهُولَةٍ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْأَيْدِي الْمَجْهُولَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ الْمُودَعُ مُجْهِلًا لِلْوَدِيعَةِ صَارَ مُتَمَلِّكًا ضَامِنًا وَالْمِلْكُ إذَا ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَكَانَ هُوَ وَشَهَادَتُهُمْ بِأَنَّهُ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ سَوَاءً.
وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ مُوَرِّثِهِ فَكَأَنَّ مُوَرِّثَهُ كَانَ حَيًّا مُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ وَالْآخَرُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ فَاسْتَوَيَا فَكَانَ الْمُدَّعَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِ الْمُدَّعِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ قُضِيَ بِهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَصْمٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute