للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمُ أَنَّ الْأَبَ كَانَ كَافِرًا فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ كُفْرِهِ يَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَا يُزِيلُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ يَدَّعِيهِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ.

وَلَوْ أَقَرَّتْ زَوْجَةُ الرَّجُلِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ وَاحِدَةً وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَزَعَمَتْ أَنَّهُ رَاجَعَهَا وَكَذَّبَتْهَا الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِسَبَبِ الْحِرْمَانِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ سَبَبًا حَادِثًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَظْهَرُ السَّبَبُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهَا ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمْ فَالْوَرَثَةُ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا سَبَبَ الْحِرْمَانِ حَادِثًا وَهِيَ تُنْكِرُ وَهَذَا الْفَصْلُ إنَّمَا أَوْرَدَهُ إيضَاحًا لِمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الِابْنُ الْمُسْلِمُ بِكُفْرِ أَبِيهِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى إسْلَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ زَوْجَانِ ذِمِّيَّانِ مَاتَ ابْنٌ لَهُمَا عَنْ ابْنٍ فَقَالَا: مَاتَ ابْنُنَا كَافِرًا وَقَالَ الِابْنُ وَهُوَ مُسْلِمٌ: مَاتَ أَبِي مُسْلِمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ وَارِثٌ غَيْرُ مَحْجُوبٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي إسْلَامِ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ.

قَالَ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مِيرَاثًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ ابْنُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ وَلَمْ تَشْهَدْ شُهُودُهُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ ذُو الْيَدِ: لَهُ وَلَدٌ غَيْرُ هَذَا أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَلَهُ وَلَدٌ سِوَى هَذَا أَمْ لَا تَلَوَّمَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ زَمَانًا رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ وَارِثٌ آخَرَ فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ قَضَى بِالْمِيرَاثِ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ ثَبَتَ بِالْحُجَّةِ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ وَارِثًا خَلِيفَةً لِلْمَيِّتِ فِي مِلْكِهِ فَيُدْفَعُ مَالُهُ إلَيْهِ وَيُسْتَوْثَقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ.

مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ قَالَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هُنَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ هُنَا الشُّهُودُ لَمْ يَشْهَدُوا بِانْتِفَاءِ وَارِثٍ آخَرَ فَكَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ الِاحْتِيَاطِ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا مُدَّةَ التَّلَوُّمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَدْرُ ذَلِكَ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْأَجَلِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْوَارِثُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ وَفِيمَا دُونَ الشَّهْرِ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ ضَرَرٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِابْنُ كَافِرًا وَقَالَ: مَاتَ أَبِي كَافِرًا وَكَذَلِكَ هَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ مَنْ لَا يُحْجَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ بِآخَرَ إذَا ثَبَتَتْ قَرَابَتُهُ يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ إذَا لَمْ تَشْهَدْ الشُّهُودُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمًّا أَوْ بِنْتًا يُقْضَى لَهَا بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَصَبَةَ لِلْمَيِّتِ ظَاهِرًا فَكَانَ جَمِيعُ الْمِيرَاثِ لَهَا فَرْضًا وَرَدًّا فَأَمَّا إذَا كَانَ مَنْ يَثْبُتُ وِرَاثَتُهُ مِمَّنْ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ كَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَ هَذَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>