مَا فِي السَّقْفِ وَمَوْضِعِهِ ظَاهِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآجِرِ، وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجَرِ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْقَائِفُ يُصَارُ إلَى الْإِقْرَاعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ لِتَعْيِينِ الْمُسْتَحَقِّ عِنْد الْإِقْرَارِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي دَعْوَى النَّسَبِ حِين كَانَ بِالْيَمَنِ.
وَحُجَّتُنَا فِي إبْطَالِ الْمَصِيرِ إلَى قَوْلِ الْقَائِفِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ حُكْمَ اللِّعَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ نَفْيِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْقَائِفِ فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً لَأَمَرَ بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ وَدَعْوَى لِمَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ مَا فِي الْأَرْحَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: ٣٤]، وَلَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى وَعِنْدَ انْعِدَامِ الْبُرْهَانِ كَانَ فِي قَوْلِهِ قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَنِسْبَةُ الْأَوْلَادِ إلَى غَيْرِ الْآبَاءِ وَمُجَرَّدُ الشَّبَهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَقَدْ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أَبَاهُ الْأَدْنَى، وَقَدْ يُشْبِهُ الْأَبَ الْأَعْلَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى الْأَجَانِبِ فِي الْحَالِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا أَسْوَدُ شَدِيدُ السَّوَادِ، وَقَدْ، وَلَدَتْ امْرَأَتِي، وَلَدًا أَبْيَضَ فَلَيْسَ مِنَى فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَوْنُهَا قَالَ حُمْرٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّ ذَاكَ فَقَالَ لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَ أَوْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقًا نَزَعَ» فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلشَّبَهِ، وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ عِنْدَنَا التَّرْجِيحُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالشَّبَهِ وَفِي اللَّوْحِ التَّرْجِيحُ بِالظَّاهِرِ لَا بِالشَّبَهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنْ إسْكَافًا وَعَطَّارًا لَوْ تَنَازَعَا فِي أَدَاةِ الْأَسَاكِفَةِ لَا يَتَرَجَّحُ الْإِسْكَافُ بِالشَّبَهِ، وَثُبُوتُ نَسَبِ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بِالْفِرَاشِ لَا بِقَوْلِ الْقَائِفِ إلَّا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ لَوْنِهِمَا، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ عِنْدَ الْقَافَةِ عِلْمٌ بِذَلِكَ، وَأَنَّ بَنِي الْمُدْلِجِ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِعَمَلِ الْقِيَافَةِ، وَجَزِّ رِيشِهِمْ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ كَانَ قَوْلُهُ رَدًّا لِطَعْنِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّمَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَا، لَا لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ حُجَّةٌ فِي النَّسَبِ شَرْعًا.
فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا حَدِيثُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ قَالَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ إنْ لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَّا لَبُيِّنَ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا، وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمُدَّعِي قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الرَّجُلِ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ لَا بِحَقِيقَةِ انْخِلَاقِهِ مِنْ مَائِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ سِرٌّ عَنْ غَيْرِ الْوَاطِئِينَ فَأَقَامَ الشَّرْعُ الْفِرَاشَ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute