للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْتَمِدُ عَلَى مَا عَلِمَ بِهِ مِنْ الْفِرَاشِ، وَالْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ مِنْ النَّسَبِ الْمِيرَاثُ، وَالنَّفَقَةُ وَالْحَضَانَةُ وَالتَّرْبِيَةُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ فَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ خَلْقُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَائِينَ فَإِنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ مَتَى أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ تَيْسِيرًا سَقَطَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْبَاطِنِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَطَأَهَا أَحَدُهُمَا فَلَا يَخْلُصُ الْمَاءُ إلَى أَحَدِهِمَا حَتَّى يَطَأَهَا الثَّانِي فَيَخْلُصُ الْمَاءَانِ إلَى الرَّحِمِ مَعًا، وَيَخْتَلِطُ الْمَاءَانِ فَيَتَخَلَّقُ مِنْهُمَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْبَيْضَتَيْنِ وَالْحَبَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَوُّرَ لِلِاخْتِلَاطِ فِيهِمَا.

قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِلنَّسَبِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَثُرُوا أَخْذًا بِالْقِيَاسِ كَمَا قَرَّرْنَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مِنْ اثْنَيْنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُوجَدُ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ الَّذِي قَرَّرَهُ الْخَصْمُ لِاسْتِحَالَةِ إثْبَاتِ نَسَبٍ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْجَمْعِ، وَلَا نِهَايَةَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَالْقَوْلُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاحُشِ فَاعْتَبَرْتُ أَدْنَى الْجَمْعِ، وَقُلْتُ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا فِي الْأَمَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَذَلِكَ مِنْ الْحُرَّتَيْنِ إذَا ادَّعَتَا لَقِيطًا، وَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ بِحَالٍ، وَحُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ انْفِصَالِ الْوَلَدِ عَنْهَا؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ مِنْ الزَّانِيَةِ، وَهَذَا سَبَبٌ مُعَايَنٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهُ، وَلَا تَصَوُّرَ لِانْفِصَالِ، وَلَدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فَيُتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ فَتَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ بِخِلَافِ الرَّجُلَيْنِ فَسَبَبُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الرَّجُلِ الْفِرَاشُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ نَعَمْ حَقِيقَةُ هَذَا النَّسَبِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ مُحَالٌ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّسَبِ حُكْمُهُ لَا عَيْنُهُ، وَهُوَ الْحَضَانَةُ وَالتَّرْبِيَةُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ، وَهَذَا الْحُكْمُ قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ وَيَكُونُ ذِكْرُ السَّبَبِ كِنَايَةً عَنْ الْحُكْمِ مَجَازًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ: هَذَا ابْنِي يُعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحُ كَلَامِهِ مُحَالًا، وَلَكِنْ يُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ حُكْمِهِ مَجَازًا.

وَمَا قَالَا يَبْطُلُ بِدَعْوَى النِّتَاجِ فَإِنَّ وِلَادَة شَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ شَاتَيْنِ حَقِيقَةً مُحَالٌ، وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَثْبَتَ الْخَارِجَانِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ يُقْضَى بِالْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ قَبَاءٌ مَحْشُوًّا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ قَطَعَهُ وَحَشَاهُ، وَخَاطَهُ فِي مِلْكِهِ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ وَالْخِيَاطَةَ قَدْ تَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>