الْأَصْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْضَةَ بِالْحَضَانَةِ تَصِيرُ مُسْتَهْلَكَةً فَيُحَالُ بِحُدُوثِ الْفَرْخِ عَلَى عَمَلِ الْحَضَانَةِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، وَالْأَمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَهْلَكَةً بِالْوِلَادَةِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِ الْأَصْلِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مِلْكِهِ.
قَالَ: وَلَوْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ فَالْبَيْضَةُ لِصَاحِبِهَا لِتَوَلُّدِهَا مِنْ مِلْكِهِ فَإِنْ بَاضَتْ بَيْضَتَيْنِ فَحَضَنَتْ الدَّجَاجَةُ نَفْسَهَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَحَضَنَهَا الْغَاصِبُ عَلَى الْأُخْرَى فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ فَالْفَرْخُ الْأَوَّلُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَعَ الدَّجَاجَةِ وَالْفَرْخُ الْآخَرُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ وَمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الدَّجَاجَةِ نَفْسِهَا لَا صُنْعَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بَلْ يَكُونُ لِمَالِكِ الْأَصْلِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ غَصَبَ حِنْطَةً وَزَرَعَهَا كَانَ الزَّرْعُ لَهُ، وَلَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِالْحِنْطَةِ فَجَعَلَتْهَا مَزْرُوعَةً فِي الْأَرْضِ كَانَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى فِعْلِ الرِّيحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيُجْعَلُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِ الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ مَا حَضَنَهَا الْغَاصِبُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا بِفِعْلِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِمِثْلِهِ وَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ بِالضَّمَانِ فَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ الْفَرْخُ مِنْ مِلْكِهِ فَأَمَّا مَا حَضَنَتْ الدَّجَاجَةُ بِنَفْسِهَا لَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ فَلَا يَمْلِكُهَا فَبَقِيَ ذَلِكَ الْفَرْخُ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ
قَالَ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الْعُصْفُرَ الَّذِي فِي هَذَا الثَّوْبِ لِفُلَانٍ صَبَغَ بِهِ هَذَا الثَّوْبَ فَلَا يَدْرِي مَنْ صَبَغَهُ وَجَحَدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْعُصْفُرِ أَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَمَانَ قِيمَةِ الْعُصْفُرِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَلَيْسَ فِي شَهَادَةِ شُهُودِهِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَإِنَّ ثَوْبَ الْغَيْرِ إذَا هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ، وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ إنْسَانٍ فَانْصَبَغَ كَانَ الصَّبْغُ لِصَاحِبِهِ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَ الثَّوْبِ شَيْئًا، وَلَكِنْ يُقَوَّمُ الثَّوْبُ أَبْيَضَ وَيُقَوَّمُ مَصْبُوغًا فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَضْمَنُ لَهُ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي ثَوْبِهِ، وَإِلَّا بِيعَ الثَّوْبُ فَيَصْرِفُ فِيهِ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَصَاحِبُ الْعُصْفُرِ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ أَحَدُهُمَا بِالثَّوْبِ وَالْآخَرُ بِالْعُصْفُرِ، وَلَكِنَّ الثَّوْبَ أَصْلٌ، وَالْعُصْفُرَ فِيهِ وَصْفٌ فَكَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ دُونَ صَاحِبِ الْوَصْفِ
قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي لَبِنٍ فَأَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ ضَرَبَهُ فِي مِلْكِهِ يُقْضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ اللَّبِنَ يُضْرَبُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِأَنْ يُضْرَبَ، ثُمَّ يُكْسَرَ، ثُمَّ يَضْرِبَ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ فَلِهَذَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُدَّعِي.
قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي جُبْنٍ فَأَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ جُبْنُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجُبْنَ لَا يُصْنَعُ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ سَبَبٌ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ النِّتَاجِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا بَيَّنَّا.
وَالثَّانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute