ثُبُوتَهُ بِاعْتِبَارِ الِاتِّحَادِ بَيْنَ الْوَاطِئِينَ حِسًّا حَتَّى تَصِيرَ أُمَّهَاتُهَا، وَبَنَاتُهَا كَأُمَّهَاتِهِ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّضَاعَ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ جُعِلَ كَالنَّسَبِ، وَلَمْ يُجْعَلْ كَهُوَ فِي إبْطَالِ الْمِلْكِ بِهِ يَعْنِي بِالْعِتْقِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدٍ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي أَنَّ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ «قَالَ وَلَدُ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي لِأَنِّي أَقْرَبه أَبِي» وَعِنْدَنَا إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى بِالنَّسَبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ بِالنَّسَبِ بَلْ هُوَ قَضَاءٌ بِالْمِلْكِ لَهُ لِكَوْنِهِ وَلَدَ أَمَةِ أَبِيهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِسَوْدَةِ فَأَمَّا أَنْتِ يَا سَوْدَةُ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَخٍ لَك» وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ تَأْكِيدُ نَفْيِ النَّسَبِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَاهِرًا لِإِلْحَاقِ النَّسَبِ بِزَمْعَةَ.
قَالَ: وَإِذَا حَبِلَتْ الْأَمَةُ عِنْدَ رَجُلٍ، ثُمَّ بَاعَهَا، وَقَبَضَ ثَمَنَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَقَضَى بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَدُهَا حُرُّ الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْبَائِعَ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ كُنْتُ أَعْتَقْتُهَا أَوْ دَبَّرْتُهَا قَبْلَ أَنْ أَبِيعَهَا؛ وَهَذَا لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى بَيْعِهَا إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّ، وَلَدٍ لَهُ، وَلَنَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ إذَا جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فِي مِلْكِهِ فَادَّعَى نَسَبَهُ نَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالْوَرَثَةِ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدِهَا.
وَتَفْسِيرُ الْوَصْفِ: أَنَّ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَتَأْثِيرِهِ، وَهُوَ أَنَّ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ بِالدَّعْوَةِ، وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ مَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْإِبْطَالِ فَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا إبْطَالَ الْحَالِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ، فَإِذَا بَقِيَ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَهُ بَقِيَ مَا كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي وَخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ يَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي إسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّنَاقُضِ، وَقَبُولِ قَوْلِهِ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ.
كَمَا أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِنَفْيِ النَّسَبِ ثَبَتَ مِنْهُ، وَبَطَلَ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّنَاقُضِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْلَمُ تَدَيُّنًا أَنَّ الْعُلُوقَ لَيْسَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ مِنْهُ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute