يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا فِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِيهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى طَرِيقِ الْقِيَاسِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ لَمْ تَصِحَّ، وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ انْتَقَضَ فَصَارَ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ادَّعَاهُ أَوَّلًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ فِي الْحَالِ يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا، وَإِعْتَاقَ، وَلَدَهَا فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ أَيْضًا لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ وَيَثْبُتُ لَهَا أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ.
ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ حِينَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ فِيهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ وَهُوَ حَقِيقَةُ النَّسَبِ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْبَائِعِ ضَرُورَةً فَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ عِنْدَنَا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِيهَا وَفِي، وَلَدِهَا؛ وَلِلْبَائِعِ حَقٌّ وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ كَمَا لَوْ جَاءَتْ جَارِيَةُ رَجُلٍ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ هُوَ، وَأَبُوهُ مَعًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِيهَا؛ وَلِلْأَبِ حَقٌّ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْحَقِّ فِي مُقَابَلَةِ الْحَقِيقَةِ، وَلَنَا أَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ دَعْوَةُ اسْتِيلَاءٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَجْوِيزٍ فَإِنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يُعَارِضُ دَعْوَةَ التَّجْوِيزِ دَعْوَةُ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا لَا يُعَارِضُ نَفْسَ الْإِعْتَاقِ دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ بِمَعْنَى أَنَّ دَعْوَةَ الِاسْتِيلَادِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ بَلْ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ تَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ سَابِقَةٌ مَعْنًى فَكَأَنَّهَا سَبَقَتْ صُورَةً بِخِلَافِ دَعْوَةِ الْمَوْلَى مَعَ أَبِيهِ، فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْأَبِ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إذْ لَيْسَ لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ مِلْكٌ، وَلَا حَقُّ الْمِلْكِ، فَاقْتِرَانُ دَعْوَةِ الْمَوْلَى بِدَعْوَةِ الْأَبِ يَمْنَعُ تَحْصِيلَ هَذَا الشَّرْطِ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْ الْمَوْلَى دُونَ أَبِيهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْأُمَّ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ دَبَّرَهَا، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْتَاجُ إلَى النَّسَبِ بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ وَهُوَ مَقْصُودٌ بِالدَّعْوَةِ، وَحَقُّ الِاسْتِيلَادِ فِي الْأُمِّ يَثْبُتُ تَبَعًا فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْأَصْلِ بِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْبَيْعِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ ثُبُوتُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ كَمَا فِي، وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ، وَلَا تَصِيرُ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَغْرُورِ، ثُمَّ يَرُدُّ الْبَائِعُ حِصَّةَ الْوَلَدِ مِنْ الثَّمَنِ دُونَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ لِمَا جَرَى فِيهَا مِنْ عِتْقِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ أَمَةً تُوطَأُ بِالْمِلْكِ بَعْدَ مَا نَفَذَ الْعِتْقُ فِيهَا، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْفَسْخُ فِي الْوَلَدِ، وَقَدْ صَارَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِهَذَا الِاسْتِرْدَادِ فَتَصِيرُ لَهُ حِصَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute