مِنْ الثَّمَنِ فَلِهَذَا يَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْوَلَدِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الْوَلَدِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَيَرُدُّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُمْسِكُ حِصَّةَ الْأُمِّ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِيهَا بِالْمَوْتِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ تُبْنَى عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي مَالِيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا قِيمَةَ لِرِقِّهَا حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْغَضَبِ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ زَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَزَعْمُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لِرِقِّهَا قِيمَةٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِالْغَصْبِ فَيُمْسِكَ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ.
ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَالْأَوَّلِ أَنَّ هُنَاكَ الْقَاضِي كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حِينَ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَمْ يَبْقَ لِزَعْمِهِ غَيْرُهُ فَأَمَّا هُنَا بِمَوْتِهَا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا زَعَمَ الْبَائِعُ فَبَقِيَ زَعْمُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ فَلِهَذَا رَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْأُمَّ أَوْ، وَهَبَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ أَجَرَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَبْطَلْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَرَدَدْتُهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مُحْتَمِلَةٌ لِلنَّقْضِ كَالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَكَمَا يَجُوزُ نَقْضُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَاءِ مِنْ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ نَقْضُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْوَلَدَ أَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إذَا أَكْذَبَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَقْصُودٌ بِالدَّعْوَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْمُشْتَرِي فِيهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَهُوَ الْوَلَاءُ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الدَّعْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبِلَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ، وَصِحَّةُ دَعْوَةِ الْبَائِعِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ، ثُمَّ لَا يَرُدُّ الْأُمَّ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَبَعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَثْبُتُ مَا هُوَ بَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ كَانَ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا.
وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْوَلَدِ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ قِيمَتِهِ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْأَقْطَعَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ مَحَلٌّ لِانْتِقَاصِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْأَرْشَ يَبْقَى سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إبَانَةَ الْيَدِ كَانَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَدَعْوَةُ الْبَائِعِ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْيَدِ الْمُبَانَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُشْتَرِي عَنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مَالٌ لَيْسَ مِنْ النَّسَبِ فِي شَيْءٍ فَيَرُدُّ الْجَارِيَةَ مَعَ، وَلَدِهَا عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةَ الْيَدِ فَقَدْ احْتَبَسَ بَدَلَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ مَجَّانًا، وَلَكِنْ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute