تُسَلَّمُ لِلْبَائِعِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا اُحْتُبِسَتْ الْأُمُّ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَطْعُ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ يَجْمَعُ الْكُلَّ، وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ الْوَلَدِ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْجَانِي، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُوءَةَ عَيْنَاهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّسَبِ وَدَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ مُحْتَمِلٌ لِلنَّقْضِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ عَلَى الْبَائِعِ، وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْجَانِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ إذَا لَمْ تَسْلَمْ لِلْجَانِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَوْ أَعَادَ الْمَوْلَى إمْسَاكَ الْجُثَّةِ وَالرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْعَيْنَيْنِ رَدَّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي بِنُقْصَانِ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ أَرَادَ إمْسَاكَ الْجُثَّةِ وَالرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْنَيْنِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي نُقْصَانُ الْعَيْنَيْنِ رَدَّ الْبَائِعُ عَلَيْهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةَ النُّقْصَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُقِئَتْ عَيْنَا الْأُمِّ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ قُتِلَ الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَعَلَى الْجَانِي مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَ الْوَلَدُ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِتَكْذِيبِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْجِنَايَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى حُرٍّ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأُمِّ كَانَ عَلَيْهِ مَا فِي جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي إبْطَالِ هَذَا الْبَيْعِ وَعَوْدِهِمَا إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا وَفِي، وَلَدِهَا بِنَفْسِ الدَّعْوَةِ مَا هُوَ مُنَافٍ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ جَنَى الْوَلَدُ كَانَتْ جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْحُرِّ وَجِنَايَةُ أُمِّهِ كَجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهَا بِنَفْسِ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمَا قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالدَّعْوَةِ قَدْ صَارَ مُبْطِلًا مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مُوجِبِ جِنَايَتِهِمَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ مُخْتَارٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ أَثْبَتَ الْحُرِّيَّةَ لِلْوَلَدِ وَحَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ فَيَكُونُ كَالْمُنْشِئِ لِذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَلِهَذَا صَارَ مُخْتَارًا
وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَمْ تَلِدْ بَعْدُ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ حَبَلَهَا مِنْهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَيْسَ بِهَا حَبْلٌ، وَأَرَاهَا النِّسَاءَ فَقُلْنَ هِيَ حُبْلَى أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِهَا حَبَلٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْك فَالْبَائِعُ لَا يُصَدَّقُ فِي الدَّعْوَةِ حَتَّى تَضَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الْحَبَلِ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: ٣٤]؛ وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ حَتَّى يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute