سُبِيَتْ وَمَعَهَا صَبِيٌّ فَأَعْتَقَا، وَكَبُرَ الصَّبِيُّ وَاكْتَسَبَ مَالًا، ثُمَّ مَاتَ فَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ خُذِي مِيرَاثَ ابْنِك فَقَالَتْ لَيْسَ هُوَ ابْنِي، وَلَكِنَّهُ ابْنُ دِهْقَانِ الْقَرْيَةِ وَكُنْتُ ظِئْرًا لَهُ فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ أَنْ لَا يُورَثَ الْحَمِيلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَمِيلُ عِنْدَنَا: كُلُّ نَسَبٍ كَانَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَمِيلَ مَنْ يَحْمِلُ النَّسَبَ عَلَى الْغَيْرِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَنْ يُحْمَلُ نَسَبُهُ عَلَى الْغَيْرِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَهُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ أَنْسَابِهِمْ بِالْبَيِّنَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَلَّ مَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلِهَذَا وَضَعَهُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ فَقَالَ إذَا سُبِيَ صَبِيَّانِ فَأَعْتَقَا، وَكَبُرَا فَأَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لَمْ يُصَدَّقَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْمِلَانِ النَّسَبَ عَلَى الْأَبِ فَالْأُخُوَّةُ بَيْنَهُمَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاوَرَةٍ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَسْبِيِّ امْرَأَةٌ فَأُعْتِقَتْ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا وَصَدَّقَهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَ الْمَسْبِيِّ رَجُلٌ فَأُعْتِقَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِالنَّسَبِ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الرَّجُلِ خَفِيٌّ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ فِيهِ مَقْبُولٌ وَسَبَبُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَرْأَةِ وِلَادَةٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ بَالِغًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا كَانَ التَّصْدِيقُ مُتَأَتِّيًا؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا» فَلَا يَثْبُتُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّصْدِيقِ إذَا كَانَ مُحْتَمَلًا فِي نَفْسِهِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدٍ وَصَدَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُعَامَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ، وَإِنَّمَا لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ تَتَمَكَّنُ بَيْنَهُمَا تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى إبْطَالِ حَقِّ الْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ لَا تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ إنْشَاءِ سَبَبٍ يَجْعَلُ مَالَهُ لِصَاحِبِهِ كَالْوَصِيَّةِ فِي عَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَلَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ، وَقَدْ يَنْفَصِلُ حُكْمُ الْمِيرَاثِ عَنْ النَّسَبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِي النَّسَبِ، وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ الْمِيرَاثُ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute