للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ صَدَّقَهَا الْوَلَدُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ تُظْهِرُ النَّسَبَ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُكَذِّبًا لَهُمَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا امْرَأَةٌ وَصَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَنَّهُ مِنْهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا أَمَّا مِنْ الزَّوْجِ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ مِنْهُ ثَبَتَ مِنْهُمَا تَبَعًا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ سَبَبٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا يُحَالُ النَّسَبُ عَلَى هَذَا النَّسَبِ الظَّاهِرِ

قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى وَلَدَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ»، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تُؤَثِّرُ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَةِ كَمَا فِي دَعْوَةِ الْأَبِ وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ كَسْبُ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَمِلْكُ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ مَحَلِّهِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى يُصْرَفَ إلَى دِيَتِهِ، وَلَا يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ فَيَصِيرُ هَذَا شُبْهَةً، وَأَدْنَى الشُّبْهَةِ تَكْفِي لِتَصْحِيحِ دَعْوَةِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ لَوْ سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِكَسْبِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَصِيرُ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ كَأَنَّهُ اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ

قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى هَذِهِ الْأَمَةَ مِنْ عَبْدِهِ صَحَّ النِّكَاحُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَمَةً أُخْرَى لَهُ وَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا وَلَدَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَ إقْرَارِهِ فَعِنْدَ شُبْهَةِ النِّكَاحِ أَوْلَى.

وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَغْوٌ مِنْهُ فِيهَا فَيَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْ النِّكَاحُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ وَلَدَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ لَا يَمَسُّ حَقَّ الْمَوْلَى وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُ حَقَّ الْمَوْلَى إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ كَإِقْرَارِ الْحُرِّ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَوَدِ وَالطَّلَاقِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْحُرُّ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدَ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَتَقَ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمَالٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى ظُهُورِ حُكْمِهِ بِمِلْكِ الْمَحَلِّ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْإِقْرَارِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى، وَلَدَ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهُ وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهَا وَبَيْعِ وَلَدِهَا بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا أَحَلَّهَا لَهُ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ لَا مُعْتَبَرَ بِإِحْلَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>