للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَعْوَاهُمَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ثَابِتٌ لِلْمُلْتَقِطِ فَهُمَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى يُرِيدَانِ إبْطَالَ الْيَدِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ اعْتِبَارُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ لَا لِحَقِّ الْمُلْتَقِطِ، وَفِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِمَّنْ ادَّعَى تَوْفِيرَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَلَدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ فِي دَعْوَةِ النَّسَبِ كَالْحُرِّ فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِالدَّعْوَةِ فَأَمَّا حُجَّةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ وَفِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمَمْلُوكِينَ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَلَدِ، وَفِي إثْبَاتِ الرِّقِّ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ثُبُوتُ الرِّقِّ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِمَا فِيمَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ، وَقَدْ وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَلَدِ وَتَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ.

وَحُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ وَالْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ لَا يَكُونُ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْأَصْلَيْنِ فَإِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ وَلَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَلَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِدُونِ السَّبَبِ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا، يُقَرِّرُهُ أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَّا إذَا تَمَكَّنَ هُنَاكَ غُرُورٌ فِي جَانِبِ الْفَحْلِ، وَهُوَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ لِمَائِهِ، وَلَا غُرُورَ هُنَا فَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: الْعَبْدُ إذَا صَارَ مَغْرُورًا بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ مَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَجْهُولَةُ الْحَالِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ إقْرَارِهِمَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فَإِنْ ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَاتٍ فِي جَسَدِهِ، وَلَمْ يَصِفْ الْآخَرُ شَيْئًا جَعَلْتَهُ ابْنَ صَاحِبِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ تَعَارُضِ الدَّعْوَةِ تَقَعُ بِالْعَلَامَةِ كَمَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ؛ وَلِأَنَّ إصَابَةَ الْعَلَامَةِ دَلِيلُ سَبْقِ يَدِهِ إلَيْهِ، وَدَلِيلُ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِعَلَامَاتِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مُدَّعِي اللُّقَطَةِ إذَا أَصَابَ فِي الْعَلَامَاتِ يَوْمَ الْمُلْتَقِطِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَصَابَ فِي بَعْضِ الْعَلَامَاتِ، وَأَخْطَأَ فِي الْبَعْضِ فَهَذَا وَمَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ الْعَلَامَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَا أَصَابَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَاعْتِبَارَ مَا أَخْطَأَ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ فَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْعَلَامَاتِ شَيْئًا، وَإِذَا لَمْ يَصِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>