للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَلْسِنَةِ فَإِذَا عَبَرَ إلَى لَفْظٍ آخَرَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ، وَإِذَا عَبَرَ إلَى الْفَارِسِيَّةِ لَا يَجُوزُ.

وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُكْرَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَإِذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهَا يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ بِحَالٍ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَهُوَ أُمِّيٌّ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ.

وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَشَهَّدَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْفَارِسِيَّةَ غَيْرُ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: ٤٤] الْآيَةَ فَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، فَلَا يَتَأَدَّى بِغَيْرِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ وَالْإِعْجَازُ فِي النَّظْمِ وَالْمَعْنَى فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إلَّا بِهِمَا، وَإِذَا عَجِزَ عَنْ النَّظْمِ أَتَى بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ كَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْفُرْسَ كَتَبُوا إلَى سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ الْفَاتِحَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَانُوا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى لَانَتْ أَلْسِنَتُهُمْ لِلْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْمُعْجِزِ وَالْإِعْجَازُ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً وَعَجْزُ الْفُرْسِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِلِسَانِهِمْ وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ - تَعَالَى - غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا مُحْدَثٍ وَاللُّغَاتُ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قُرْآنٌ بِلِسَانٍ مَخْصُوصٍ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: ١٩٦] وَقَدْ كَانَ بِلِسَانِهِمْ.

وَلَوْ آمَنَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَانَ مُؤْمِنًا وَكَذَلِكَ لَوْ سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ لَبَّى بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا كَبَّرَ وَقَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ.

(وَرَوَى الْحَسَنُ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَذَانٌ جَازَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَجُوزُ إذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ إذَا كَانَ يَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ مَعْنَى الْعَرَبِيَّةِ.

فَأَمَّا إذَا صَلَّى بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ.

إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْإِمَامِ، ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ فَصَلَّى الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ إمَامًا لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ»، وَالِائْتِمَامُ لَا يَتَحَقَّقُ إذَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ حِينَ كَبَّرَ قَبْلَهُ، فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ التَّكْبِيرَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ الدُّخُولِ فِي صَلَاتِهِ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ قَاطِعًا لِمَا كَانَ فِيهِ شَارِعًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالتَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ تَعْمَلُ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ كَمَنْ كَانَ فِي النَّافِلَةِ فَكَبَّرَ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ.

وَمِنْ غَيْرِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>