الْبَابِ إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَ بَيْعًا بِأَلْفَيْنِ كَانَ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَانْعِقَادَ عَقْدٍ آخَرَ وَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ قَبْلَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَكْبِيرَةُ الثَّانِي قَطْعٌ لِمَا كَانَ فِيهِ فَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ وَقِيلَ إنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْجِهَةَ إذَا فَسَدَتْ يَبْقَى أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَبْقَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ رِوَايَتَانِ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُكَبِّرَ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُقَارَنَةِ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا»، يَشْهَدُ لِهَذَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ.
وَفِي التَّسْلِيمِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ لِيَكُونَ تَحَلُّلُهُ بَعْدَ تَحَلُّلِ الْإِمَامِ. وَالْأُخْرَى: أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَفِي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ يَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ لِيَشْتَغِلَ بِالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَطَوَّعَ بَعْدَهُمَا وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ وَلَا يَجْلِسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كَانَ خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَتْ بِهِ الْقِبْلَةُ لِلْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ: «جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِدْعَةٌ» «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى الْفَجْرَ اسْتَقْبَلَ أَصْحَابَهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا فِيهِ بُشْرَى بِفَتْحِ مَكَّةَ»، وَلِأَنَّهُ يَفْتَتِنُ الدَّاخِلُ بِجُلُوسِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَظُنُّهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِي بِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ مَسْبُوقٌ يُصَلِّي، فَإِنْ كَانَ فَلْيَنْحَرِفْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْمُصَلِّي بِوَجْهِهِ مَكْرُوهٌ، لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى وَجْهِ رَجُلٍ فَعَلَاهُمَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ لِلْمُصَلِّي أَتَسْتَقْبِلُ الصُّورَةَ؟ وَقَالَ لِلْآخَرِ أَتَسْتَقْبِلُ الْمُصَلِّيَ بِوَجْهِكَ؟
فَأَمَّا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ يُكْرَهُ لَهُ الْمُكْثُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى التَّنَفُّلِ بَعْدَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، وَالسُّنَنُ لِجَبْرِ نُقْصَانِ مَا يُمْكِنُ فِي الْفَرَائِضِ فَيَشْتَغِلُ بِهَا وَكَرَاهِيَةُ الْقُعُودِ فِي مَكَانِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَا يَشْتَغِلُ بِالتَّطَوُّعِ فِي مَكَانِ الْفَرِيضَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ بِسُبْحَتِهِ أَيْ بِنَافِلَتِهِ»، وَلِأَنَّهُ يُفْتَنُ بِهِ الدَّاخِلُ أَيْ يَظُنُّهُ فِي الْفَرِيضَةِ فَيَقْتَدِي بِهِ وَلَكِنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى مَكَان آخَرَ لِلتَّطَوُّعِ اسْتِكْثَارًا مِنْ شُهُودِهِ، فَإِنَّ مَكَانَ الْمُصَلِّي يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي وَيَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ لِيَكُونَ حَالُهُمَا فِي التَّطَوُّعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute