للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافَ حَالِهِمَا فِي الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ الْقَوْمِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي أُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا فِي الصَّفِّ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنْ أَخَّرُوا التَّكْبِيرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ جَازَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَقَالَ زُفَرُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ مَرَّةً قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَامُوا فِي الصَّفِّ، وَإِذَا قَالَ ثَانِيًا كَبَّرُوا وَقَالَ: لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُبَايِنُ الْأَذَانَ بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ عِنْدَهَا وَأَبُو يُوسُفَ، احْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْإِقَامَةِ كَانَ يَقُومُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَبْعَثُ رِجَالًا يَمْنَةً وَيَسَرَةً لِيُسَوُّوا الصُّفُوفَ فَإِذَا نَادَوْا اسْتَوَتْ كَبَّرَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْإِقَامَةِ فَاتَ الْمُؤَذِّنَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ رَغَائِبِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْتَدَلَّا بِحَدِيثِ بِلَالٍ حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَهْمَا سَبَقْتَنِي بِالتَّكْبِيرِ، فَلَا تَسْبِقُنِي بِالتَّأْمِينِ».

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ بِقَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ يُخْبِرُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ أُقِيمَتْ، وَهُوَ أَمِينٌ فَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ كَانَ كَاذِبًا فِي هَذَا الْإِخْبَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقُوا خَبَرَهُ بِفِعْلِهِمْ لِتَحَقُّقِ أَمَانَتِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ غَيْرَ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَإِمَامُهُمْ الْآنَ قَائِمٌ لِلْإِقَامَةِ لَا لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ لَا يَقُومُونَ فَإِذَا اخْتَلَطَ بِالصُّفُوفِ قَامَ كُلُّ صَفٍّ جَاوَزَهُمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمِحْرَابِ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا فِي الصَّفِّ حَتَّى يَدْخُلَ الْإِمَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَقُومُوا فِي الصَّفِّ حَتَّى تَرَوْنِي خَرَجْتُ»، وَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى النَّاسَ قِيَامًا يَنْتَظِرُونَهُ فَقَالَ مَالِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ أَيْ وَاقِفِينَ مُتَحَيِّرِينَ.

وَمَنْ تَثَاءَبَ فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُغَطِّ فَاهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ»، أَوْ قَالَ فَمَه وَلِأَنَّ تَرْكَ تَغْطِيَةِ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ فِي الْمُحَادَثَةِ مَعَ النَّاسِ تُعَدُّ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ فَفِي مُنَاجَاةِ الرَّبِّ أَوْلَى.

قَالَ: (وَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْقَوْمُ عَلَى الْأَرْضِ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ»، فَلَوْ لَمْ يَكْرَهْ كَوْنَ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ لَصَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ لِيَكُونَ أَشْهَرَ، وَإِنَّ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ قَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي لِأَصْحَابِهِ فَجَذَبَهُ سَلْمَانُ حَتَّى أَنْزَلَهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَصْحَابَكَ يَكْرَهُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>