للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّسَبُ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْحُرِّيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ، وَحُكْمُهُ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَةِ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَهُ كَانَتْ حُرِّيَّتُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَتَبَعًا مُنَافَاةٌ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّةِ الْعِتْقِ مُنَافَاةٌ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا فَلِهَذَا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ أَمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ حُرًّا كُلَّهُ أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهُ، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَقَالَ الْمَوْلَى: قَدْ وَلَدَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنِّي وَلَدًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ هَذَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ هَذَا الْمُعَرَّفِ وَالْمَوْلَى إنَّمَا أَقَرَّ بِنَسَبِ الْمُنْكَرِ، وَالْمُنْكَرُ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِإِقْرَارِهِ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ عَبْدًا لَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِنَسَبِهِ، وَلَا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الْأُمِّ بَعْدَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا وَالرِّقُّ فِيهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هُنَا: يُعْتَقُ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا قَبِيحٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ قَدْ أَسْقَطَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنِّي سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَكَانَ يُعْتَقُ بِهِ شَيْئًا مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ لَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادِ لِأُمٍّ مَعْرُوفٍ كَانَ لَهَا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلٍّ وَلَدٍ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِدَعْوَتِهِ كَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالْعِتْقِ لِأَحَدِهِمْ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ

قَالَ: وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَةٌ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَلَمْ يَدَّعِيهِ الْمَوْلَى حَتَّى كَبُرَ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لِلْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ ادَّعَى الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي يَعْنِي الْمَيِّتَ وَابْنَهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ الْأَصْلُ كُلُّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ لَمَّا لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ النَّسَبِ انْقَلَبَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَقَالَ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ عَتَقَ الْحَيُّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ.

وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُرِّيَّةِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرَ عَتَقَ الْأَسْفَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَةِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَتَسْعَى أَمَةٌ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَسْفَلَ فَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْبَرُ لَمْ يُعْتَقْ هَذِهِ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهَا، وَسَعَتْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>