النُّسَخِ قَالَ: مُنْذُ أَغْلَقَ عَلَيْهَا الْبَابَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُرَدُّ بِالْفَاسِدِ لِيَتَعَرَّفَ حُكْمَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِالْجَائِزِ وَفِي النِّكَاحِ الْجَائِزِ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَاعْتِبَارُهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَغْلَقَ الْبَابَ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةٌ يَحْصُلُ بِهِ، وَإِنْ انْعَدَمَ التَّمَكُّنُ حُكْمًا وَاعْتِبَارُهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا صَحِيحٌ أَيْضًا لِاعْتِبَارِ الْفَاسِدِ بِالْجَائِزِ، وَمِنْ أَصْلِنَا فِي النِّكَاحِ الْجَائِزَ أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ النِّكَاحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى قَالُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَنَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّا نَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ مَائِهِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا؛ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ حَقِيقَةُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ، وَذَلِكَ خَفِيٌّ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَكَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْوَطْءِ تَكُونُ شِرَاءً عَلَى غَيْرِ الْوَاطِئِينَ وَفِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ خَرَجَ، وَلَكِنَّ التَّمَكُّنَ مِنْهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ مَا سَقَطَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فِي حَالٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ وَطْئِهَا، وَتَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا لِلِاسْتِفْرَاشِ وَمَقْصُودِ النَّسْلِ فَيَثْبُتُ الْفِرَاشُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا، وَالصَّغِيرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا فَلَمْ يَعْمَلْ فِي النَّسَبِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لَهُ فَأَمَّا الْغَائِبُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا كَالْحَاضِرِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْفِرَاشُ الْمُثْبِتُ لِلنَّسَبِ بِنَفْسِ النِّكَاحِ، وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْعُلُوقِ مِنْ مَائِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِ النَّاسِ فِيهِ، وَفِي الْأَوْقَاتِ، فَيَجِبُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالنَّسَبِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ النِّكَاحُ الَّذِي لَا يُعْقَدُ شَرْعًا إلَّا لِهَذَا الْمَقْصُودِ، وَمَتَى قَامَ النَّسَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ وَدَارَ الْحُكْمُ مَعَ النَّسَبِ الظَّاهِرِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَهُوَ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْمَسَائِلِ كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ الْمَرَادُ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ فِي إثْبَاتِ الرُّخْصَةِ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَأُقِيمَ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ مَقَامَ اشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَاءِ الْغَيْرِ فِي تَجَدُّدِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ، وَالتَّمَكُّنَ إنَّمَا كَانَ مُعْتَبَرًا لِمَعْنَى الْمَاءِ، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute