للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقِرٌّ بِالنَّسَبِ فَإِنَّ وَلَدَ الِابْنِ يُنْسَبُ إلَيْهِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ ضَرَّ بِالْجَدِّ، وَأَخَذَ الْمِيرَاثَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ عِنْدَ إكْذَابِهِ نَفْسَهُ فَإِذَا أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِهِ إنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ نَسَبُهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا عَنْ خَلَفٍ يُقْضَى بِالنَّسَبِ، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِيرَاثِ، وَإِذَا كَانَ مَيِّتٌ إلَّا عَنْ خَلَفٍ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالنَّسَبِ فَلَوْ قَضَى بِالْمَالِ كَانَ قَضَاءً بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَالْمَالُ لَا يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَلَوْ كَانَتْ الْمَنْفِيَّةُ بِنْتًا فَمَاتَتْ عَنْ ابْنٍ، وَأَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ، وَلَمْ يُصَدَّقْ بِهِ لَمْ يَرِثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا يُصَدَّقُ وَيُضْرَبُ الْحَدَّ وَيَرِثُ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهَا مَاتَتْ عَمَّنْ يَخْلُفُهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ كَمَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ، وَكَمَا يَتَشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأَبِ يَتَشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأُمِّ وَيَصِيرُ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ، وَأَبُ الْأُمِّ يُسَمَّى أَبًا مَجَازًا كَأَبِ الْأَبِ فَكَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ بَقَاءَ الْوَلَدِ كَبَقَائِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ كَلَامُهُ الْآنَ فِي دَعْوَى الْمَالِ لَا إقْرَارٌ بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قُرَشِيًّا لَا قِبْطِيًّا، وَأَنَّ أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ، وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ: فَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ مُسْتَوْدَعَاتٌ؛ وَلِلْأَنْسَابِ آبَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَلَدُ مُنْتَسِبًا إلَى الْمُلَاعِنِ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَعْمَلُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَلَوْ أَرَادَ ابْنُ الْمَلَاعِنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَنْفِيَّةَ نَسَبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ فَصَّلَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ اللِّعَانِ كَانَتْ أُخْتًا لَهُ، وَلَمْ يَنْتِفْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَكَانَتْ أُخْتًا لَهُ وَشُبْهَةُ الْأُخْتِيَّةِ كَحَقِيقَتِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْمُلَاعِنُ نَفْسُهُ لَوْ قَالَ لَمْ أَدْخُلْ بِالْأُمِّ وَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ابْنَةً لَهُ وَبَعْدَ اللِّعَانِ قُطِعَ النَّسَبُ عَنْهُ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ، لَوْ أَعَادَهَا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَشُبْهَةُ الْبَيِّنَةِ كَحَقِيقَتِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْفَصْلِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِمَنْزِلَةِ ابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْآخَرُ كَمَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَا مَوْقُوفٌ عَلَى حَقِّهِ لَوْ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا.

قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَجَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَلَدَيْنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَأْتِيَ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ، وَلَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَبَقِيَ أَحَدُهُمَا حِينَ وَلَدَتْهُ، ثُمَّ وَلَدَتْ الثَّانِي وَهُمَا ابْنَاهُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَى الْمَوْلُودَ مِنْهُمَا كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>