للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيَّاهُ ثَابِتًا، وَلَكِنَّ الْوَاحِدَ قَطُّ لَا يَصِيرُ ثَلَاثًا فَكَانَ جَعْلُهُ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلِهَذَا كَانَ لَغْوًا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَمْلِكُ جَعْلَ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا حَقِيقَةً وَلَكِنْ يَمْلِكُ ضَمَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَى الْوَاحِدَةِ بِالْإِيقَاعِ لِتَصِيرَ ثَلَاثًا كِنَايَةً عَنْ قَوْلِهِ أَوْقَعَتْ اثْنَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِتَصْحِيحِ مَقْصُودِهِ كَمَا جَعَلْنَا لَفْظَةَ الْخُلْعِ مَجَازًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ

قَالَ: غُلَامٌ مُحْتَلِمٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَنَّهُمَا أَبَوَاهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ، وَامْرَأَتُهُ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ ابْنُهُمَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغُلَامِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّهُ فَهُوَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا هُوَ حَقٌّ لَهُ عَلَى مَنْ هُوَ جَاحِدٌ وَالْأَخَوَانِ يُثْبِتَانِ بِالْبَيِّنَةِ مَا هُوَ حَقُّ الْغُلَامِ، وَبَيِّنَةُ الْمَرْءِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَةِ الْغَيْرِ عَلَى حَقِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مِثْلِ هَذَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْغُلَامُ نَصْرَانِيًّا وَاَللَّذَانِ ادَّعَى الْغُلَامُ أَنَّهُمَا أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ إذَا كَانَ شُهُودُهُ مُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَا أَقَامَ مِنْ الشُّهُودِ حُجَّةٌ عَلَى الْخَصْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ (قِيلَ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ بَيِّنَةُ الْآخَرَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْغُلَامِ.

(قُلْنَا): الْيَدُ أَقْوَى مِنْ الدِّينِ فِي حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْيَدَ تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ ظَاهِرًا وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْيَدِ، وَلَوْ ادَّعَى الْغُلَامُ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ أَمَتِهِ فُلَانَةَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَقَالَ فُلَانٌ هُوَ عَبْدِي وُلِدَ مِنْ أَمَتِي هَذِهِ زَوَّجْتُهَا مِنْ عَبْدِي فُلَانٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ ابْنُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى يُثْبِتَانِ نَسَبُهُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ.

وَهُوَ إنَّمَا أَثْبَتَ النَّسَبَ بِفِرَاشِ الْمِلْكِ وَفِرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ النَّسَبَ مَتَى ثَبَتَ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ، وَإِذَا ثَبَتَ بِفِرَاشِ الْمِلْكِ انْتَفَى بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ، وَالتَّرْجِيحُ بِمَا ذَكَرْنَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ جَعَلْنَا النَّسَبَ مِنْ أَقْوَى الْفِرَاشَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَأَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ إثْبَاتِ النِّكَاحِ؛ وَلِكَوْنِ فِرَاشِ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَقُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِحُرِّيَّتِهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ، وَالْمَوْلَى مَيِّتَيْنِ فَأَقَامَ الْغُلَامُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُ الْمَوْلَى مِنْ أَمَتِهِ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، وَأَقَامَ وَرَثَةُ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ الْعَبْدِ مِنْ أَمَةِ الْمَوْلَى زَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيِّنَةِ الْوَرَثَةِ هُنَا إثْبَاتُ النِّكَاحِ فَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَا يُثْبِتُونَ النَّسَبَ لِأَنْفُسِهِمْ إنَّمَا يُثْبِتُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>