للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتٌ تَسْمَعُهُ الرِّجَالُ فَلَا يَكُونُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ حُجَّةً تَامَّةً، وَإِنْ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ كَجِرَاحَاتِ النِّسَاءِ فِي الْحَجَّامَاتِ إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ.

وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَأَمَّا الْمِيرَاثُ مِنْ بَابِ الْأَحْكَامِ فَتُسْتَدْعَى حُجَّةٌ كَامِلَةٌ وَذَلِكَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.

قَالَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ، وَقَالَ انْقَضَتْ عِدَّتُك وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فِرَاشٌ قَائِمٌ فَلَا تَكُونُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أُخْبِرُك أَنَّ عِدَّتَك قَدْ انْقَضَتْ، وَكَذَّبَتْهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَةً سِوَاهَا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَلَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالنَّسَبُ مِنْ حَقِّهَا فَصَارَ فِي حَقِّ النَّسَبِ كَأَنَّ الْإِخْبَارَ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ.

وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ أَخْبَرَ الزَّوْجُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَصَارَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُسْتَنْكَرًا، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنَّمَا تَزَوَّجَ الْأَرْبَعَ وَفِرَاشُهُ عَلَى الْأَوَّلِ قَائِمٌ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي الْفِرَاشِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، فَلِهَذَا بَطَلَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا فَإِنْ كَانَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَلْزَمُهُ النَّسَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ إقْرَارِهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ هِيَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَ مُرَاجِعًا لَهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَمِنْ ضَرُورَةِ مُرَاجَعَتِهِ لَهَا بُطْلَانُ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ فَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ أَبَانَهَا أَوْ بِغَيْرِهَا فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً بِحَالٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ إقْرَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاقِعَ صَارَ ثَابِتًا، وَلَكِنْ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ لِلْإِبَانَةِ فَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مُرَاجِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْشَأَ الْإِبَانَةَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْوَاقِعَ نِصْفَهُ الرَّجْعَةَ ثَانِيًا أَوْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَانِيًا، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَلَاثًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَانِيًا، وَلَا ثَلَاثًا فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْوَاقِعُ مِنْ الطَّلَاقِ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ، وَمِلْكُ الصِّفَةِ تُمَلِّكُ الْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَصْلُهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَبْقَ صِفَتُهَا فِي مِلْكِهِ أَيْضًا وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بَاطِلٌ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ ذَلِكَ الْوَاقِعُ بِغَرَضِ أَنْ يَصِيرَ ثَانِيًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَلِكَ ثَانِيًا يَجْعَلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>