عَرَفْنَاهَا صَغِيرَةً وَمَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى زَوَالِهِ وَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ تَنْقَضِي فِي الْفُرْقَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِالنَّصِّ، وَفِي الْمَوْتِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ بَعْدَ ظُهُورِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ، وَلَدِهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ أَقَرَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِتَةً ثَبَتَ نَسَبُ، وَلَدِهَا مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ مَاتَ الزَّوْج؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالنَّصِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوِلْدَةِ لِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الصَّغِيرَةِ.
وَلَكِنَّا نَقُولُ: انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا فَإِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: ٤] نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ الطُّولَى، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا فَمَا لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تُجْعَلُ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ الصِّغَرَ يُنَافِي الْحَبَلَ فَانْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مُطْلَقًا يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ مَا لَمْ يَدَّعِ حَبَلًا فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْكَبِيرَةِ مِنْ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ، وَلَا فِرَاشٌ قَائِمٌ، وَلَا إقْرَارٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ بِيَوْمٍ بِسِقْطٍ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ أَخْبَرَتْ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مُثْبِتٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: وَلَدَتْهُ مَسَاءً، وَقَالَتْ هِيَ كَانَ فَمَاتَ فَشَهِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَلَدِ الْقَابِلَةُ يُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي حُكْمِ الْإِرْثِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَأَمَّا فِي الْمِيرَاثِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ، وَامْرَأَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ.
فَصَلَّى وَعَلَيْهِ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، ثُمَّ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ هُنَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ الْآخَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute