وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تُثْبِتُ الرِّقَّ فَالْمُثْبِتُ لِلْحُرِّيَّةِ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ ابْنُهُ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَالْحُرِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هُنَا تَتَرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الْوَلَاءِ الَّذِي هُوَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ مَعَ الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ وَدَبَّرَهُ فَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِي بَيِّنَتِهِ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا بِخِلَافِ هَذَا، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ ثَمَّةَ، وَلَوْ كَانَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا إثْبَاتُ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْعَبْدِ فَلَمَّا اسْتَوَتْ الْبَيِّنَاتُ فِي الْإِثْبَاتِ تَرَجَّحَ جَانِبُ ذِي الْيَدِ بِيَدِهِ، وَإِنْ شَهِدَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ بِالتَّدْبِيرِ وَشُهُودُ الْمُدَّعِي بِالْعِتْقِ الثَّابِتِ قَضَيْتُ بِالْعِتْقِ الثَّابِتِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إبْطَالَ الرِّقِّ وَالْمِلْكِ فِي الْحَالِ يَتَرَجَّحُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ أَمَةً لَكَانَتْ تُوطَأُ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْخَارِجِينَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعِتْقِ الثَّانِي وَالْآخَرُ عَلَى التَّدْبِيرِ فَبَيِّنَةُ الْعِتْقِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْأَمَة لَهُ كَاتَبَهَا قَضَيْتُ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ فِي يَدِ نَفْسِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَقُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ.
(قِيلَ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ إلَى قَوْلِهَا.
(قُلْنَا) الْمُكَاتِبَةُ أَمَةٌ، وَلَا قَوْلَ لِلْأَمَةِ فِي تَعْيِينِ مَالِكِهَا بَعْدَ مَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ شَهِدَ شُهُودُ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ دَبَّرَهَا، وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَشُهُودُ الْآخَرِ أَنَّهُ كَاتَبَهَا، وَيَمْلِكُهَا فَالتَّدْبِيرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ.
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ أَنَّ وَلَدَهَا مِنْ مَوْلَاهَا، وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَأَرَادَتْ يَمِينَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْدُودَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَى الِاسْتِحْلَافَ فِي النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ، وَالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ فَمَا لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْبَدَلُ لَا يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَافُ وَعِنْدَهُمَا النُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ فِيهِ ضَرْبَ شُبْهَةٍ فَكُلُّ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَافُ وَالْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ النِّكَاحِ وَهُنَا دَعْوَاهُ عَلَى الْمَوْلَى دَعْوَى النَّسَبِ فَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسْتَحْلَفُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْ الْمَوْلَى سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا تَبَعٌ لِنَسَبِ الْوَلَدِ فَكَمَا لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى عِنْدَ دَعْوَى النَّسَبِ فَكَذَلِكَ فِي دَعْوَى أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِذَلِكَ لَزِمَهُ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهِ إذَا أَنْكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute