للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ فَمَنْ يَقُولُ لَا يَمْلِكُ يَقُولُ سَبَبُ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا تَامٌّ حَتَّى يَمْلِكَ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أُمُّهُ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْغُرُورَ قَدْ تَحَقَّقَ فَكَانَ وَلَدُهُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَتُبَاعُ الْأَمَةُ فِي الدَّيْنِ إنْ اُسْتُغْرِقَتْ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ يُمْنَعُ عِتْقُ الْوَارِثِ فِيهَا فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ ثُبُوتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ فِيهَا، وَوُجُوبُ الْعُقْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةٍ فَيَغْرَمُ الْعُقْرَ فَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ قَضَيْتُ بِهَا لَهُ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَالْعُقْرِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهَا وَعُقْرَهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ فِيهَا، وَلَكِنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِحَقِّ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِمَالِيَّتِهَا عَلَى الْغَرِيمِ بِالِاسْتِيلَادِ قَالَ: وَيَغْرَمُ عُقْرَهَا قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْعُقْرِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ فَلَمْ يَغْرَمْ الْعُقْرَ؛ وَلِمَاذَا يَغْرَمُ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ: تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا عَدَدًا فَكَانَ هَذَا اسْتِيلَادَ الشُّرَكَاءِ لِلْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْعُقْرِ وَالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الشُّرَكَاءِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ يُقَدَّرُ الدَّيْنُ، وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ أَيْضًا فَلِهَذَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا، وَعُقْرُهَا يُقْضَى مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوَّلًا، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إذَا اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ لَمْ يَغْرَمْ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا

قَالَ: رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً مَغْصُوبَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ غَاصِبٌ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ حِينَ كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ؛ وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرِقِّ مَائِهِ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ: أَنَا صَاحِبُهَا وَكَّلَنِي بِبَيْعِهَا أَوْ مَاتَ، وَقَدْ أَوْصَى إلَيَّ فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَالْوَصَايَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا جَارِيَتَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَإِذْنُهُ فِي بَيْعِهَا لَمْ يَصِحَّ حِينَ أَنْكَرَهُ وَيَأْخُذُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ قَدْ تَحَقَّقَ بِمَا أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِهِ فَإِنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ لَوْ كَانَ حَقًّا كَانَتْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُشْتَرِي فَهَذَا وَقَوْلُهُ إنَّهَا مِلْكِي سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ يَلْتَزِمُ سَلَامَتَهَا لَهُ، فَإِذَا غَرِمَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا الْتَزَمَ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>