للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَحَلًّا هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ وَلَأَنْ يَسْتَدْعِيَ صِفَةَ السَّلَامَةِ فِيهِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ أَيْضًا لَيْسَ لِلْغَاصِبِينَ اخْتِيَارُ الْوَسَطِ وَالتَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا يَغْصِبُ الْغَاصِبُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَمَّا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ لَهَا مُوجِبٌ شَرْعًا فِي اقْتِضَاءِ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَكَذَلِكَ لِلنَّاسِ عَادَةٌ فِي إيرَادِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ دُونَ الْمَعِيبِ فَلِهَذَا يُصْرَفُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الَّذِي بِعَيْبِهِ مَنْصُوبًا فِي يَدِهِ قَائِمًا رَدَّهُ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَصْلِ فِي الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ لِيَكُونَ خُلْفًا عَنْ الضَّمَانِ الْأَصْلِيِّ وَسُمِّيَتْ قِيمَةٌ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ فَإِنْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ دَارًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِهَا سَوَاءٌ عَيَّنَهَا فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ وَذَاكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَكَانَ بَيَانُهُ مُطَابِقًا لِلَفْظِهِ.

وَلَوْ قَالَ هِيَ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي فِي يَدَيْ هَذَا الرَّجُلِ وَذُو الْيَدِ مُنْكِرٌ يَقُولُ الدَّارُ دَارِي فَالْقَوْلُ فِي تِلْكَ الدَّارِ قَوْلُ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُقِرِّ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ كَدَعْوَاهُ أَنَّهَا لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَكِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ عُهْدَةِ إقْرَارِهِ بِمَا بَيَّنَ فَإِنَّ بَيَانَهُ مُطَابِقٌ لِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ مَالٌ مَحَلٌّ لِلْغَصْبِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ ضَامِنًا لِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَعْضِهَا وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضَمْنَ بِالْغَصْبِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.

وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُهُ هَذِهِ الْأَمَةَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ فَادَّعَاهُمَا جَمِيعًا الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْغَاصِبِ: قِرَّ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ وَتَخَلَّفَتْ عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَرْفَ " أَوْ " فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيَتَنَاوَلُ بَعْضَ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِذَا أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَقَدْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ حِينَ ادَّعَاهُمَا جَمِيعًا فَيَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَيْنَهُ وَتَبْقَى دَعْوَاهُ الْآخَرَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ الْآخَرُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ إذَا زَعَمَ الْمُقِرُّ أَنَّ الْمَغْصُوبَ هُوَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ فِي مُنْكَرٍ؛ وَلِأَنَّ ادِّعَاءَ الْمُقَرِّ لَهُ مُعَيَّنٌ، وَالْمُعَيَّنُ عِنْدَ الْمُنْكِرِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ إقْرَارُهُ هَذَا الْمَحَلَّ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ ثُمَّ هُوَ بِالتَّعْيِينِ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّ الْبَيَانِ الثَّابِتِ لِلْمُقِرِّ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُبْهَمُ وَمَنْ أَبْهَمَ شَيْئًا فَإِلَيْهِ بَيَانُهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهُ فَإِنْ بَيَّنَ الْمُقِرُّ الْآخَرُ صَحَّ بَيَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمُبْهَمِ كَلَامِهِ وَلَكِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ وَالْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ بِهِ بِنَفْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>