دَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَهُوَ جَاحِدٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ هَذَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِيهِ فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَخْذِهِ؛ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا اُسْتُحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لَا؟ نَقُولُ: فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَالْأَوَّلِ فَقَالَ هُنَاكَ يُقَالُ لَهُ قِرَّ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ وَاحْلِفْ عَلَى الْآخَرِ وَهُنَا لَا يُقَالُ لَهُ قِرَّ لِأَيِّهِمَا شِئْتَ وَاحْلِفْ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِقْرَارَ صَحِيحٌ مُلْزِمٌ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَعْلُومٌ إنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُسْتَحِقِّ فَيُمْكِنُ إجْبَارُهُ عَلَى الْبَيَانِ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ وَهُنَا إقْرَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ لِلْمَجْهُولِ؛ وَلِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ الْغَصْبِ قَدْ بَيَّنَهُ حَالُهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَكِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ عَادَةً فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ لِلْمَجْهُولِ حُجَّةً تَامَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُجْبَرَ عَلَى الْبَيَانِ وَلَكِنَّهُمَا إنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ جَهَالَةٌ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَقَدْ يُزَالُ ذَلِكَ بِاصْطِلَاحِهِمَا فَإِنَّ أَحَدَهُمَا مَالِكٌ وَالْآخَرُ نَائِبٌ عَنْهُ وَكَمَا يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِالرَّدِّ عَلَى نَائِبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَبْدِ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي الْتِزَامِ التَّسْلِيمِ إلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ بِإِقْرَارِهِ فَإِذَا اصْطَلَحَا فَقَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْهُمَا يَأْمُرهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا اسْتَحْلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْحَقَّ لِنَفْسِهِ عَيْنًا وَهُوَ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَقَرَّ لِمُنْكَرٍ مِنْهُمَا
وَالْمُنْكَرُ فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ كَالْمَعْدُومِ وَلِلْقَاضِي الْخِيَارُ فِي الْبِدَايَةِ بِالِاسْتِحْلَافِ لِأَيِّهِمَا شَاءَ وَقِيلَ هَذَا بِالِاسْتِحْلَافِ لِمَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا تَطْمِينًا لِقُلُوبِهِمَا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ الْآخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ فَأَمَّا النُّكُولُ لَا يُوجِبُ الْحَقَّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي إلَّا بَعْدَ النَّظَرِ لِكُلِّ قَسَمٍ وَمِنْ حُجَّةِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي إنَّمَا نَكَلَ لَهُ؛ لِأَنَّكَ بَدَأْتَ بِالِاسْتِحْلَافِ لَهُ وَلَوْ بَدَأْتَ بِالِاسْتِحْلَافِ لِي لَكَانَ يَنْكُلُ لِي وَفِي الْإِقْرَارِ لَا يُمْكِنُ الْآخَرُ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ مِنْهُ فَيَأْمُرُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ قَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلَّذِي يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ مَنْ حَلَفَ لَهُ وَقَدْ انْتَفَى بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُ وَنُكُولُهُ فِي حَقِّ الْآخَرِ قَائِمٌ مَقَامَ إقْرَارِهِ فَيَأْمُرُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قَضَى الْقَاضِي بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا وَبِقِيمَتِهِ أَيْضًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ بِنُكُولِهِ صَارَ عَقْرًا لَهُ وَغَصَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعَهُ وَمَا لَوْ قَدَرَ إلَّا عَلَى النِّصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute