للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرُدُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ وَلَوْ حَلَفَ لَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ انْتَفَى بِيَمِينِهِ إلَى أَنْ يَجِدَ الْحُجَّةَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصْطَلِحَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرَ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَهُمَا ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ عِنْدَ الِاصْطِلَاحِ ثَبَتَ لَهُمَا بِهَذَا الْإِقْرَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ اصْطَلَحَا قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَاهُ وَالْحَقُّ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَبْطُلُ بِالْيَمِينِ وَالْمَعْنَى الَّذِي فَاتَ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَاهُ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ إذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا مَالِكٌ وَالْآخَرُ نَائِبٌ عَنْهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ بِالِاسْتِحْلَافِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ هُوَ غَيْرُ مَحَلٍّ لِلْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَالِاسْتِحْلَافَ كَانَ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَالْقَاضِي يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي يَمِينِهِ أَوْ كَاذِبٌ وَلَا تَأْخِيرَ لِلْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ يَمِينَ الْمُقِرِّ يُبْطِلُ حَقَّ مَنْ حَلَفَ لَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ وَمُزَاحَمَتَهُ ثُمَّ التَّفَقُّهُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَصْلَ الْإِقْرَارِ وَقَعَ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ فَاسِدًا وَلَكِنْ أَرَادَ: مَنْعُهُ الْعِبَادَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ بِالِاصْطِلَاحِ مُمْكِنٌ فَإِنْ أَزَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْفَسَادِ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَأَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِمَا وَإِنْ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعٍ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِخِيَارٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِعَمَلٍ مَجْهُولٍ إذَا تَقَرَّرَتْ صِفَةُ الْفَسَادِ بِالْقَضَاءِ وَهُنَا لَمَّا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ حُكِمَ بِفَسَادِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ بِاصْطِلَاحِهِمَا.

(الثَّانِي) أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا طَلَبَ يَمِينَهُ فَقَدَ عَامِلَةَ الْمُنْكِرِينَ فَصَارَ رَادُّ الْإِقْرَارِ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا حَقُّ الِاصْطِلَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ وَالثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الِاصْطِلَاحُ أَوْ الِاسْتِحْلَافُ فَكَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ كَانَا قَابِلَيْنِ لِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْقَى لَهُمَا حَقُّ الِاسْتِحْلَافِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى الِاسْتِحْلَافِ كَانَا رَادَّيْنِ لِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْقَى لَهُمَا حَقُّ الِاصْطِلَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ الِاسْتِحْلَافُ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ لِإِقْرَارِهِ قُلْنَا مَحَلُّ الْإِقْرَارِ لَا يَعْدُوهُمَا فَإِذَا وُجِدَ الِاسْتِحْلَافُ مِنْهُمَا فَقَدْ تَيَقَّنَ بِوُجُودِهِ مِمَّنْ وَقَعَ الْإِقْرَارُ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِحَقِّ الْإِقْرَارِ.

وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُ الْعَبْدَ مِنْ هَذَا لَا بَلْ مِنْ هَذَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلِلْآخَرِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " لَا بَلْ " لِلِاسْتِدْرَاكِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِقَامَةُ الثَّانِي مَقَامَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>