للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ كَرَّرَ كَلَامَهُ الْأَوَّلِ وَبِالتَّكْرَارِ لَا يَزْدَادُ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ يُكَرَّرُ وَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: ٣٤] {ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: ٣٥].

وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ، ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " ثُمَّ " لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعْقِيبَ فِي الْوُجُوبِ بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ يَتَحَقَّقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوَاجِبِ فَصَارَ مُقِرًّا بِهِمَا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الدِّرْهَمَيْنِ عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ الدِّرْهَمِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ.

وَلَوْ قَالَ: مِائَةُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ مِائَتَانِ فِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ كَلِمَةَ " لَا بَلْ " لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ فَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمِائَةِ بَاطِلٌ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمِائَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْإِقَامَةِ مَقَامَ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُهُ الْمَالَانِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ مِائَةُ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ اثْنَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَالْغَلَطُ يَتَمَكَّنُ فِي الْخَبَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِذِكْرِ الْمَالِ الثَّانِي اسْتِدْرَاكُ الْغَلَطِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَالِ الْأَوَّلِ لَا ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ سِنِّي خَمْسُونَ لَا بَلْ سِتُّونَ كَانَ إخْبَارَ السِّتِّينَ فَقَطْ، وَيَقُولُ: حَجَجْتُ حَجَّةً لَا بَلْ حَجَّتَيْنِ كَانَ إخْبَارًا بِحَجَّتَيْنِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ فِي الْقَدْرِ عَادَةً لَا فِي الْجِنْسِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْقَدْرَ الْأَوَّلَ فَزَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِهِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْجِنْسُ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَقُولُ: حَجَجْتُ حَجَّةً لَا بَلْ عُمْرَتَيْنِ وَيَقُولُ: حَجَجْتُ حَجَّةً لَا بَلْ حَجَّتَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ فَهُوَ إيقَاعٌ وَإِنْشَاءَاتٌ، وَفِي الْإِنْشَاءَاتِ لَا يَقَعُ الْغَلَطُ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْكَلَامُ هُنَا مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ، وَقَالَ: كُنْتُ طَلَّقْتُهَا أَمْسِ وَاحِدَةً لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ كَانَ إقْرَارًا بِاثْنَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَتَانِ لَا بَلْ مِائَةٌ فَعَلَيْهِ أَزْيَدُ الْمَالَيْنِ، وَهُوَ الْمِائَتَانِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِدْرَاكَ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا فَلَمْ يَعْمَلْ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَةٌ جِيَادٌ لَا بَلْ زُيُوفٌ، أَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَةٌ زُيُوفٌ لَا بَلْ جِيَادٌ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ أَفْضَلُ الْمَالَيْنِ فَقَطْ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْعَدَدِ.

وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي مَوْطِنٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>