للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَيْتُهَا فَهَذَا إقْرَارٌ بِذِكْرِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ، وَلِأَنَّهُ ادَّعَى الْقَضَاءَ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ لَا يَسْبِقُ وُجُوبَهُ فَصَارَ بِهِ مُقِرًّا بِالْوُجُوبِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَهُوَ يَعْقُبُ الْوُجُوبَ وَلَا يَسْبِقُهُ فَدَعْوَاهُ الْإِسْقَاطَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ سَابِقٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ حَسَبْتُهَا لَكَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ حَلَلْتَنِي مِنْهَا فَهَذَا بِمَعْنَى دَعْوَى الْإِبْرَاءِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ وَهَبْتَهَا إلَيَّ أَوْ تَصَدَّقْتَ بِهَا عَلَيَّ فَهَذَا دَعْوَى التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَدْ أَحَلْتُكَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَدَعْوَاهُ الْحَوَالَةَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِهَا لَا مَحَالَةَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ فَادْفَعْهُ إلَيَّ أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ وَدِيعَةٌ فِي يَدِكَ أَوْ عَارِيَّةٌ فَادْفَعْهُ إلَيَّ أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ وَدِيعَةٌ فِي يَدِكَ أَوْ عَارِيَّةٌ فَادْفَعْهُ إلَيَّ، فَقَالَ: غَدًا، فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ سَأُعْطِيكَهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْعَبْدِ فَمَعَ ذِكْرِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ.

وَلَوْ قَالَ بِعْ مِنِّي عَبْدِي هَذَا أَوْ اسْتَأْجِرْهُ مِنِّي أَوْ قَالَ أَكْرَيْتُكَ دَارِي هَذِهِ أَوْ أَعَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ، فَقَالَ نَعَمْ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْجَوَابِ مَا تَقَدَّمَ يَصِيرُ مُعَادًا فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ادْفَعْ إلَيَّ حُلَّةَ عَبْدِي هَذَا أَوْ أَعْطِنِي ثَوْبَ عَبْدِي هَذَا، فَقَالَ نَعَمْ، فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أُعْطِيكَ ثَوْبَ عَبْدِكَ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ نَصًّا، وَفِي الثَّوْبِ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثَّوْبَ إلَى الْعَبْدِ الَّذِي أَضَافَهُ إلَيْهِ بِالْمِلْكِيَّةِ فَتَرْكُ إضَافَتِهِ إلَى مَمْلُوكِهِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ فَصَارَ بِهِمَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ افْتَحْ بَابَ دَارِي هَذِهِ أَوْ خَصِّصْ دَارِي هَذِهِ أَوْ أَسْرِجْ دَابَّتِي هَذِهِ أَوْ أَلْجِمْ بَغْلِي هَذَا أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَ بَغْلِي هَذَا أَوْ لِجَامَ بَغْلِي هَذَا، فَقَالَ نَعَمْ فَهَذَا إقْرَارٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ نَعَمْ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ صَارَ لَغْوًا وَكَلَامُ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى اللَّغْوِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ قَالَ يَكُونُ إقْرَارًا. أَمَّا إذَا قَالَ لَا أُعْطِيكَهَا الْيَوْمَ أَوْ قَالَ لَا أُعْطِيكَهَا أَبَدًا فَهَذَا إقْرَارٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْإِعْطَاءِ إمَّا مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا، وَالْكِنَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِهِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا سَبَقَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُعْطِيكَ سَرْجَ بَغْلِكَ أَوْ لِجَامَ بَغْلِكَ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>