للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْنِ لَهُ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ حَرْفَ لَا فَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ هَذَا نَفْيٌ لِمَا طَلَبَهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ الْإِعْطَاءَ فَكَانَ هَذَا نَفْيًا لِلْإِعْطَاءِ فَيُجْعَلُ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْعَيْنِ لَهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ أَنْ لَا جَوَابُ هُوَ نَفْيٌ فَيَكُونُ مُوجَبُهُ ضِدَّ مُوجَبِ جَوَابٍ هُوَ إثْبَاتٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ نَعَمْ، فَإِذَا جُعِلَ ذَلِكَ إقْرَارًا عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ نَفْيُ جَمِيعِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُعْطِيكَ، وَلَيْسَ الْبَغْلُ وَالسَّرْجُ وَاللِّجَامُ لَكَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَالِحٌ لِنَفْيِ جَمِيعِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُعْطِيكَهَا وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ إنَّمَا لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ التَّقْرِيرِ فِي الْمِائَةِ، وَلَكِنْ قَالَ: لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا فَعِنْدَ ذِكْرِ حَرْفِ التَّقْرِيرِ أَوْلَى. وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ وَلَكِنْ دِرْهَمٌ فَلَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَيْسَ لِلنَّفْيِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْإِثْبَاتِ وَلَا يُقَالُ لِمَا خَصَّ الْمِائَةَ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ عِنْدَنَا وَالْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يُجْعَلُ هَذَا اللَّفْظُ إقْرَارًا بِشَيْءٍ بِاعْتِبَارِ الْمَنْظُومِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ.

وَلَوْ قَالَ فَعَلْتُ كَذَا إذَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْمَاضِي وَكَلِمَةَ إذَا لِلْمُسْتَقْبِلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ، فَقَدْ عُرِفَ وَقْتٌ فَعَلَيْهِ بِالْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فَصَارَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فَعَلْت كَذَا يَوْمَ أَقْرَضْتَنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَدْ عُرِفَ الْوَقْتُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْ الْفِعْلِ فِيهِ بِالزَّمَانِ الَّذِي أَقْرَضَهُ فِيهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِالْإِقْرَاضِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتُكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَا أَعُودُ لَهَا وَلَا أَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا إقْرَارٌ لِوُجُودِ حَرْفِ الْكِنَايَةِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ الْهَاءُ وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَّا بَعْدَ الْبَدْءِ فَيَضْمَنُ هَذَا الْإِقْرَارَ بِابْتِدَاءِ إقْرَاضِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ فِي هَذَا إظْهَارُ سُوءِ مُعَامَلَتِهِ وَقِلَّةِ مُسَامَحَتِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَخَذْتُ مِنِّي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَا أَعُودُ لَهَا فَهَذَا بَيَانٌ لِلْأَخْذِ عِنْدَ نَفْيِ الْعَوْدِ عَلَى مَنْ أَخَذَ ضَمَانَ الْمَأْخُوذِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ».

وَلَوْ قَالَ لَمْ أَغْصِبْكَ إلَّا هَذِهِ الْمِائَةَ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: ٦٦] وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ آكَدُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ، دَلِيلُهُ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِغَصْبِ الْمِائَةِ بِمَا هُوَ آكَدُ الْأَلْفَاظِ، وَغَيْرُ وَسِوَى مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ " إلَّا ". وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>