للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِآخَرَ: أَخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إقْرَارٌ تَامٌّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْآمِرُ بِالْإِخْبَارِ فَكَذَلِكَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْآمِرُ بِالْإِخْبَارِ وَفَائِدَتُهُ طُمَأْنِينَةُ قَلْبِ صَاحِبِ الْحَقِّ أَنَّهُ غَيْرُ جَاحِدٍ لِحَقِّهِ بَلْ هُوَ يُظْهِرُ لِذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ حِينَ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يُخْبِرُوهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَعْلِمْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ بَشِّرْهُ أَوْ قُلْ لَهُ أَوْ أَشْهِدْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ بَلْ أَظْهَرُ فَإِنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَكُونُ صِدْقًا، وَقَدْ يَكُونُ كَذِبًا، وَالْإِعْلَامُ وَالْبِشَارَةُ وَالْإِشْهَادُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا هُوَ صِدْقٌ وَكَلِمَةُ الْإِقْرَارِ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ.

وَلَوْ قَالَ أَخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَعْلِمْهُ أَوْ أَبْشِرْهُ أَوْ أَقُولُ لَهُ أَوْ اشْهَدْ، فَقَالَ نَعَمْ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ فَصَارَ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِطَابِ مُعَادًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ إقْرَارًا.

وَلَوْ قَالَ وَجَدْتُ كِتَابِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ وَجَدْتُ فِي ذِكْرِي أَوْ حِسَابِي أَوْ بِخَطِّي أَوْ قَالَ كَتَبْتُ بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا وَجَدَهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابِهِ قَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ كَاتِبًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ هُوَ الْكَاتِبَ لِتَجْزِئَةِ الْخَيْطِ وَالْعِلْمِ وَالْبَيَاضِ فَلَا يَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْإِقْرَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَاكَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَلَامُ إنْشَاءٍ وَالتَّكَلُّمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ مَوْضِعٍ وَجَدَهُ فِيهِ، وَكَانَ إقْرَارًا.

وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا فِي يذكار الْبَاعَةِ: إنَّ مَا يُوجَدُ فِيهِ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الْبَيَّاعِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَبُ فِي يذكاره إلَّا مَا لَهُ عَلَى النَّاسِ وَمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ صِيَانَةً لَهُ عَنْ النِّسْيَانِ كَذَلِكَ بِقَلَمِهِ، وَالنَّبَأُ فِي الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ فِي يذكاري بِخَطِّي أَوْ كَتَبْتُ فِي يذكاري بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارًا مُلْزِمًا إيَّاهُ.

وَإِنْ قَالَ بِيَدِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ صَكٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الصَّكَّ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ، وَقَدْ عَابُوا عَلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ كَتَبْتُ بِيَدِي فَقَالُوا الْكِتَابَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْيَدِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَكُنَّا نَقُولُ: مِثْلُ هَذَا يُذْكَرُ لِلتَّأْكِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨] وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تُضَافُ إلَى الْآمِرِ بِهَا عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ بِنَفْسِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ بِيَدِي بَيَانًا يَزُولُ بِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ.

وَلَوْ كَتَبَ لِفُلَانٍ عَلَى نَفْسِهِ صَكًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْقَوْمُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا كَانَ إقْرَارًا جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ عَلَى مَا أَظْهَرَهُ بِبَيَانِهِ فَكَأَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ بِبَيَانِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>