للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ إلَّا مَا هُوَ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ.

رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا وَقَوْلُهُ لَا تَشْهَدْ ضِدٌّ لِقَوْلِهِ اشْهَدْ فَكَانَ مُوجَبُهُ ضِدَّ مُوجَبِ قَوْلِهِ اشْهَدْ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالزُّورِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِالزُّورِ عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ هَذَا نَفْيًا لِلْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ لَا إقْرَارًا بِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَا لِفُلَانِ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَا يُخْبِرْهُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ لَا يَقُلْ لَهُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالنَّفْيِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَهُ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ فَكَانَ مُرَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُخْبِرْهُ بِمَا هُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَقُلْ لَهُ مَا هُوَ زُورٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَآخِرُ الْكَلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهِ خُصُوصًا إذَا وَصَلَهُ بِحَرْفِ الْفَاءِ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُهُ نَفْيًا عَرَفْنَا أَنَّ آخِرَهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ.

وَلَوْ ابْتِدَاءً، فَقَالَ لَا يُخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ لَا يَقُلْ لِفُلَانٍ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ النَّفْيَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ قَوْلُهُ لَا يُخْبِرْ وَلَا يَقُلْ اسْتِكْتَامًا مِنْهُ لَهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَهُ عَلَى سِرٍّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا تُظْهِرْهُ بِاخْتِيَارِكَ أَوْ قَوْلِكَ لِفُلَانٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي آخِرِ الْبَابِ قَوْلَهُ لَا يُخْبِرْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَخْبَرُوا وَعَلَّلَ، فَقَالَ لَا تُخْبِرْ نَفْيٌ وَقَوْلُهُ أَخْبِرْ إقْرَارٌ فَحَصَلَ فِي قَوْلِهِ أَخْبِرْ رِوَايَتَانِ، وَفِي قَوْلِهِ لَا تَشْهَدْ أَيْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الرِّوَايَةُ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْهَدْ فَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ قَالَ الصَّحِيحُ فِي الْإِخْبَارِ هَكَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُخْبِرْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا كَمَا فَسَّرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَاَلَّذِي وَقَعَ هُنَا غَلَطٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا تُخْبِرْ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا تَشْهَدْ، فَقَالَ الشَّهَادَةُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ، قَوْلُهُ لَا تَشْهَدْ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ فَإِيَّاكَ أَنْ يَكْتَسِبَ سَبَبَ الْوُجُوبِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ عَلَيَّ بِالزُّورِ، فَأَمَّا الْخَبَرُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ لَا يُخْبِرُ نَهْيًا عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَلَكِنَّهُ اسْتِكْتَامُ ذَلِكَ وَدَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِحَقِّهِ أَوْ بِحَقِّهِ أَوْ مِنْ حَقِّهِ أَوْ لِمِيرَاثِهِ أَوْ بِمِيرَاثِهِ أَوْ مِنْ مِيرَاثِهِ أَوْ لِمِلْكِهِ أَوْ بِمِلْكِهِ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ لِأَجْلِهِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ لِشَرِكَتِهِ أَوْ بِشَرِكَتِهِ أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِ أَوْ لِبِضَاعَتِهِ أَوْ بِبِضَاعَتِهِ أَوْ مِنْ بِضَاعَتِهِ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إقْرَارٌ تَامٌّ بِالدَّيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلَى تَأْكِيدِ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا التَّأْكِيدَ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْإِقْرَارِ وَأَنَّ الشَّفَاعَاتِ لَا تَجِيءُ فِي الدُّيُونِ لِيُحْمَلَ مَعْنَى اللَّامِ عَلَى الشَّفَاعَةِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ إقْرَارًا بِالْمَالِ.

وَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>