الْأَلْفُ بَيْنَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ مُزَاحِمَةَ الثَّالِثِ قَدْ زَالَتْ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْغَرِيمِ الْآخَرِ بِمَا قَالَ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ أَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ بِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ صَحِيحًا مُلْزِمًا مَا لَمْ يَرُدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَذَلِكَ كَانَ مَانِعًا مِنْ سَلَامَةِ الْعَيْنِ لِلْمُقِرِّ الْوَدِيعَةِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْمُزَاحَمَةُ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ مَعَهُ، فَإِذَا رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَوَّلُ وَرَدُّهُ عَامِلٌ فِي حَقِّهِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ فَكَانَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ هَذَا الرَّدِّ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَرِيمِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ.
رَجُلٌ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَجَحَدَ ذَلِكَ وَجَحَدَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُقِرُّ وَمَاتَ الْجَاحِدُ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ، وَعَلَى الْمُقِرِّ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفًا وَرِثَهَا عَنْ الْجَاحِدِ. (قَالَ) غُرَمَاءُ الْمُقِرِّ فِي صِحَّتِهِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَلْفِ مِنْ غُرَمَاءِ الْجَاحِدِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِقْرَارِ مِنْ الْمُقِرِّ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لِكَوْنِهِ حَاصِلًا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا مَاتَ الْجَاحِدُ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ الْآنَ صَحَّ إقْرَارُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَرِكَتَهُ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُقِرِّ إرْثًا وَيُجْعَلُ هُوَ كَالْمَحْدُودِ لِإِقْرَارِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَرِيضٌ لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ مُزَاحِمًا لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّ لَهُ مُزَاحِمًا لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ عَلَى مُوَرِّثِهِ لَمَّا كَانَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ صَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ مِنْهُ بِالْعَيْنِ. وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَرِّثِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جُعِلَ كَالْمُحَدِّدِ لِلْإِقْرَارِ فِي الْحَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِعِتْقِ عَبْدِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ حَتَّى نَفَذَ إقْرَارُهُ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَرِيضِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ آنِسًا لِلْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ هُنَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ الْإِقْرَارُ فَلَا يُزَاحِمُ الْمُقَرُّ لَهُ الْغُرَمَاءَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ.
وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِثُلُثِهَا فَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الْوَرَثَةُ فَهِيَ مِيرَاثٌ كُلُّهَا لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ فِيهَا لِمَجْهُولٍ وَالْإِقْرَارُ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَإِذَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ صَارَ كَأَنَّ لَمْ يُوجَدْ تَمَّ إقْرَارُهُ بِأَنَّهَا لُقَطَةٌ لَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِاللُّقَطَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهَا، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّصَدُّقِ بِهَا أَنْ بَيَّنَّا حِفْظًا عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اتِّصَالُ عَيْنِهَا إلَيْهِ يُوصَلُ ثَوَابُهَا إلَيْهِ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ شَرْعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute