- رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ حَصَلَ، وَسَبَبُ الْوِرَاثَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ قَائِمٌ وَحُكْمُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لِمَنْ هُوَ وَارِثُهُ فَلَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ وَوَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ حَلَفَ عَنْهُ قَائِمٌ فِيمَا هُوَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ، فَإِذَا كَانَ هُوَ وَارِثًا لِلْمُقِرِّ جُعِلَ بَقَاؤُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ كَبَقَاءِ الْمُقَرِّ لَهُ بِنَفْسِهِ. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ حَيَاةَ الْوَارِثِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ شَرْطٌ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ وَهُنَا الْمُقَرُّ لَهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَهُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ حَصَلَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَوَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ لَيْسَ بِمِلْكِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْإِقْرَارِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ فَبَاعَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ وَارِثِ الْمُقِرِّ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ هُنَا. وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِعَبْدٍ فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِ الْمَرِيضِ لَمْ يَكُنْ لِي فِيهِ حَقٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إقْرَارُ الْمَرِيضِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَمَّا حَوَّلَهُ إلَى وَارِثِ الْمَرِيضِ صَارَ كَأَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِسَبَبٍ أَنْسَاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ آخَرُ يَحْدُثُ لِلْوَارِثِ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ غَيْرِ الْمِلْكِ الْحَاصِلِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، فَأَمَّا هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ حَوَّلَهُ بِعَيْنِهِ إلَى وَارِثِ الْمَرِيضِ وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَقُولُ الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ وَارِثَ الْمَرِيضِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكْهُ بِإِقْرَارِ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ بِالْمِلْكِ وَإِقْرَارُهُ لَهُ بِالْمِلْكِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْأَجْنَبِيِّ عَلَى أَنْ يُقِرَّ الْمَرِيضُ لَهُ لِيُقِرَّ هُوَ لِوَارِثِهِ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ فِي الْإِيثَارِ بِهَذَا الطَّرِيقِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّ الْعَبْدَ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْمَرِيضَ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَرِيضِ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّهُ يَعْقُبُ الْوَلَاءَ، وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ كَالْقَاتِلِ لِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ الْعِتْقُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَهُنَاكَ يُمْكِنُ تَحْوِيلُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُ بِالْإِقْرَارِ إلَى الْوَارِثِ عَلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَيَحْصُلَ الْمِلْكُ لَهُ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ، وَإِقْرَارُهُ بِالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ إنْ يُجْعَلَ كَالْقَابِلِ لِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ الْمُسْتَثْنَى لِلْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْ جِهَتِهِ.
وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِقَاتِلِهِ بِدَيْنٍ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اتِّصَالِ النَّفْعِ إلَيْهِ بِإِنْسَاءِ التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute