لِلْوَارِثِ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ (قِيلَ) الْعَاقِلُ لَا يُؤْثِرُ قَاتِلَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ بِالْإِقْرَارِ لَهُ كَاذِبًا فَتَنْتَفِي تُهْمَةُ الْكَذِبِ عَنْ إقْرَارِهِ هُنَا (قُلْنَا) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فِي إقْرَارِهِ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَةً فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ تَمَكُّنُهُ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِإِنْسَاءِ التَّبَرُّعِ وَعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا، فَقَدْ يُؤْثِرُ الشَّخْصُ قَاتِلَهُ لِمَثَلٍ فِي قَلْبِهِ إلَيْهِ أَوْ قَصْدِهِ إلَى مَجَازَاتِ إسَاءَتِهِ بِالْإِحْسَانِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَمُوتَ مِنْ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لَهُ بَلْ يَكُونُ خَارِجًا لَهُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِقْرَارُ لِلْقَاتِلِ صَحِيحٌ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ أَقَرَّ صَاحِبَ فِرَاشٍ جَازَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا يُفَارِقُ الصَّحِيحَ بِكَوْنِهِ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ مَرَضٍ عَادَةً وَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ مَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَإِذَا صَارَ بِجِنَايَتِهِ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ، وَإِذَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَالْإِقْرَارُ الصَّحِيحُ جَائِزٌ لِقَاتِلِهِ وَلِوَارِثِهِ كَمَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذَا كَانَ خَطَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ لَيْسَ بِمَرِيضٍ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ قَدْ يَمْشِي بِنَفْسِهِ لِجِنَايَتِهِ، وَقَدْ يَتَكَلَّفُ بِخُطُوَاتٍ يَخْطُوهَا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا.
وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَلَا لِعَبْدِ قَاتِلِهِ وَلَا لِمُكَاتَبٍ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ بِخُرُوجِ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ لِلْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لِمَوْلَاهُ. وَكَذَلِكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ وَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ حَقِيقَةَ مِلْكٍ بِعَجْزِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ إقْرَارُهُ لِلْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ لِمَوْلَاهُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ، فَقَالَ إذَا وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ لَمْ يُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ لِأَخِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ وَهُنَا جَعَلَهُ كَإِقْرَارٍ لِلْمَوْلَى فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِقْرَارِ هُنَا انْتِفَاعُ الْوَارِثِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ وَمَنْفَعَةُ الْمَالِيَّةِ وَتَمَكُّنُ تُهْمَةِ الْإِيثَارِ لَهُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَهُنَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْإِقْرَارِ لِلْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَهُنَاكَ الْمُثْبِتُ لِحَقِّ الرُّجُوعِ قَصْدُهُ عِنْدَ الْهِبَةِ إلَى الْعِوَضِ وَالْمُكَافَآتِ وَعَدَمِ سَلَامَةِ هَذَا الْمَقْصُودِ لَهُ، وَذَلِكَ قَائِمٌ إذَا كَانَ الْقَائِلُ لِلْهِبَةِ أَجْنَبِيًّا. وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ يَحْصُلُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِإِقْرَارِهِ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّ مَا يَحْصُلُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُشَارِكُهُ الْوَارِثُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute