التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُوجَبِ وَالْقَابِلِ فَبِمَا أُضِيفَ الْإِيجَابُ إلَيْهِ، وَقَدْ أُضِيفَ هُنَا إلَى نِصْفِ الْعَبْدِ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ، فَقَالَ لَهُ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَشْرَكْتُ فُلَانًا فِي نِصْفِ الْعَبْدِ أَيْ بِنِصْفِ الْعَبْدِ، فَقَدْ يُسْتَعَارُ حَرْفُ " فِي " لِمَعْنَى الْبَاءِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَبَيْنَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ نَوْعُ إلْصَاقٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَعَارَ حَرْفُ " فِي " لِمَعْنَى الْبَاءِ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ لِعَدَمِ إمْكَانِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ جَعَلَ لَهُ رُبْعَ الْعَبْدِ كَانَ شَرِيكًا فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ لَا فِي نِصْفِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ مُشَارِكٌ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ.
وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ، وَمُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ الدَّيْنُ فَتَفْسِيرُهُ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ مُعْتَبَرٌ لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ، ثُمَّ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَحَقُّ الدَّيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَفِي تَخْصِيصِهِ نَفْسَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى عَبْدِي هَذَا حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الدَّيْنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " عَلَيَّ " لِلِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعُلُوِّ وَمَعْنَاهُ عَلَاهُ مَا أَقَرَّ نَفْيًا لِلْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى صَارَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الشَّرِكَةَ فِي الرَّقَبَةِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُقِرِّ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا الْعِتْقُ أَوْ قَالَ فِي عَبْدِي فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الرَّقَبَةِ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهَا قَوْلُ الْمُقِرِّ.
وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ حَقٌّ فِي عَبْدِي هَذَا أَوْ فِي أَمَتِي هَذِهِ فَادَّعَى الطَّالِبُ حَقَّهُ فِي الْأَمَةِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَحْلِفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى غَيْرُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ إنَّمَا ادَّعَاهُ فِي مُعَيَّنٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ فِيمَا سِوَى الْمَحِلِّ الَّذِي عَيَّنَهُ وَمُدَّعِيًا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ إقْرَارِهِ بِمَا تَضَمَّنَ دَعْوَاهُ مِنْ رَدِّ إقْرَارِهِ الْحَقَّ فِي الْعَبْدِ، وَإِنْ ادَّعَى فِيهِمَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى أَنْ يُقِرَّ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ بِطَائِفَةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ يَتِمُّ بِتَصْدِيقِهِ فَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَبِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ فِي مِقْدَارِ مَا تَنَاوَلَهُ إقْرَارُهُ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الطَّالِبِ إنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِحَائِطٍ لِرَجُلٍ، وَقَالَ: عَنَيْتُ الْبِنَاءَ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يُصَدَّقْ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَائِطِ بِأَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَرْضِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَبْنِيِّ يَكُونُ آجُرًّا وَخَشَبًا وَلَبِنًا وَتَدًا، وَهُوَ لَا يَكُونُ حَائِطًا فَكَانَ فِي إقْرَارِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ، وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute