الدَّعْوَتَيْنِ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهَا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، وَلِأَنَّ وَضْعَهُ الْجُذُوعَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَنَى الْحَائِطَ لِحَاجَتِهِ إذَا وَضَعَ حِمْلَهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعَلَامَةِ تُثْبِتُ التَّرْجِيحَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَجْعَلُ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ
وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَوَادِي أَوْ بَوَارِيٌّ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَهْلٍ مَقْصُودٍ بُنِيَ الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ التَّرْجِيحُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ عَلَّقَهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّرْجِيحَ بِخِلَافِ الْجُذُوعُ فَإِنَّهُ حِمْلٌ مَقْصُودٌ يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْيَدُ بِاعْتِبَارِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ اتِّصَالٌ وَلِلْآخِرِ بَوَارِيٌّ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلِلْآخِرِ اتِّصَالٌ فَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا مُدَاخَلَةُ أَنْصَافِ اللَّبِنِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاتِّصَالِ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ وَضْعَ الْجُذُوعِ اسْتِعْمَالٌ لِلْحَائِطِ وَالِاتِّصَالُ مُجَاوَرَةٌ وَالْيَدُ تَثْبُتُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ فَكَانَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَاحِبَ الِاتِّصَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ فِي حُكْمِ حَائِطٍ وَاحِدٍ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاتِّصَالِ فِي بَعْضِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ مَعَ حَائِطِهِ فَمُدَاخَلَةُ أَنْصَافِ لِلَّبِنِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ بِنَاءٍ لِحَائِطَيْنِ مَعًا فَكَانَ هُوَ أَوْلَى.
قَالَ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اتِّصَالَ تَرْبِيعِ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ حِينَئِذٍ، وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ صِفَةُ هَذَا الِاتِّصَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا مُتَّصِلًا بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَائِطَانِ مُتَّصِلَانِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ حَتَّى يَصِيرَ مُرَبَّعًا شِبْهَ الْقُبَّةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اتِّصَالُ جَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا، فَأَمَّا اتِّصَالُ الْحَائِطَيْنِ بِحَائِطٍ أُخْرَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَقَعُ لَهُ يَكُونُ مِلْكُهُ مُحِيطًا بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالِاتِّصَالِ بِجَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْجُذُوعِ رَفْعَ جُذُوعِهِ، فَإِنْ (قِيلَ) لَمَّا قَضَى بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ الْآخَرَ بِرَفْعِ الْجِذْعِ؛ لِأَنَّهُ حِمْلٌ مَوْضُوعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute