لَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ لِاسْتِحْقَاقِهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ مِخْلَاةٌ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْحِمْلِ وَيُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَفْعِ الْمِخْلَاةِ قُلْنَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمِخْلَاةِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي الْأَصْلِ بِسَبَبٍ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِالدَّابَّةِ لِصَاحِبِ الْحِمْلِ أَمْرُ الْآخَرِ بِرَفْعِ الْمِخْلَاةِ
فَأَمَّا هُنَا فَقَدْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطٍ لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ اسْتِحْقَاقُ رَفْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَفْعِ جُذُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا رَفْعَ جُذُوعِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فِي الْيَدِ حُكْمًا فَإِنَّهُ بِكَوْنِهِ بَيْنَ دَارَيْهِمَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ الْيَدُ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عَشْرُ خَشَبَاتٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خَشَبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي الْخَشَبَةِ وَالْخَشَبَتَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: الْحَائِطُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ عَشْرِ خَشَبَاتٍ إلَّا مَوْضِعَ الْخَشَبَةِ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهَا وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِمَوْضِعِ الْخَشَبَةِ يُثْبِتُ يَدَ صَاحِبِهَا عَلَيْهِ فَصَاحِبُ الْقَلِيلِ فِيهِ يَسْتَوِي بِصَاحِبِ الْكَثِيرِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ عَامَّتُهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ لِصَاحِبِ الْعَشْرِ خَشَبَاتٍ عَلَيْهِ حِمْلٌ مَقْصُودٌ يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِ خَشَبَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً وَإِنَّمَا يُنْصَبُ لِأَجْلِهَا أُسْطُوَانَةُ فَكَانَ صَاحِبُ الْعَشْرِ خَشَبَاتٍ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ مَقْصُودٌ وَلِلْآخَرِ مِخْلَاةٌ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْحِمْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ خَشَبَةَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الْخَشَبَاتِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ يَسْتَحِقُّ بِهِ رَفْعَ الْخَشَبَةِ عَلَى الْآخَرِ وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْخَشَبَةِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَأَمَّا مَا بَيْنَ الْخَشَبَاتِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِأَيِّهِمَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ قَالَ يُقْضَى بِالْكُلِّ بَيْنَهُمَا عَلَى إحْدَى عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةٌ لِصَاحِبِ الْخَشَبَاتِ وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ اعْتِبَارًا لِمَا بَيْنَ الْخَشَبَاتِ بِمَا هُوَ تَحْتَ كُلِّ خَشَبَةٍ مِنْ الْحَائِطِ وَأَكْبَرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْعَشْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute