للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزُ شَعِيرٍ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَلَامَ مَوْصُولٌ، وَفِي حَقِّ الشَّعِيرِ إنَّمَا اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِاسْتِثْنَاءِ الشَّعِيرِ، فَقَالَ: إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ اسْتِثْنَاؤُهُ كُرَّ حِنْطَةٍ بَاطِلٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الشَّعِيرِ وَمَتَى تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَلَامٌ لَغْوٌ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْلُ وَالْكَلَامُ اللَّغْوُ فَاصِلٌ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ أَوْ أَبْلَغُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّكَلُّمَ بِاللَّغْوِ إعْرَاضٌ عَنْ الْجِدِّ، وَلَيْسَ فِي السُّكُوتِ إعْرَاضٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ لَغْوٌ فَصَارَ فَاصِلًا وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ لِكَوْنِ الْكَلَامِ مَوْصُولًا ظَاهِرًا.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ مِائَتَا دِينَارٍ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا كَانَ مُخْتَلِفًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي وَصَلَهُ بِهِ وَإِنَّمَا وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالدَّنَانِيرِ هُنَا وَاسْتِثْنَاءُ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مِائَتَيْ دِينَارٍ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ بِطَرِيقِ الْمُسْتَثْنَى الْمُعَيَّنِ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ بِالسَّكْتَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَهْلِيلًا أَوْ تَكْبِيرًا أَوْ تَسْبِيحًا لِأَنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْإِقْرَارِ فِي شَيْءٍ فَيَتَحَقَّقُ الْفَصْلُ بِهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بِالسُّكُوتِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْلُ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا فُلَانُ نِدَاءٌ لِلْمُخَاطِبِ لِيُنَبِّهَهُ فَيَسْتَمِعَ كَلَامَهُ فَكَانَ كَلَامُهُ رَاجِعًا إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَلَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِذَلِكَ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى أَلْفٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ كَلَامٌ آخَرُ أَعْقَبَ الْإِقْرَارَ بِهِ بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ، وَهُوَ الْفَاءُ وَلَوْ عَطَفَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِحَرْفِ الْوَاوِ كَانَ فَاصِلًا بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْقَبَهُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُفِيدٌ مَفْهُومُ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ بَلْ يَصِيرُ فَاصِلًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا فُلَانُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَكَانَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمُرَادِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>